231

منحة العلام في شرح بلوغ المرام

الناشر

دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٧ - ١٤٣٥ هـ

يغسل موضع اللمعة، ولم يأمره بإعادة الوضوء، وأما دلالة الأول فإما أن يراد بإحسان الوضوء: غسل ما ترك دون ما سبق، أو يحمل على إعادة الوضوء في تمام، بل قال الخطابي: (إن هذا هو ظاهر معناه) - كما تقدم - لتتفق الألفاظ.
٣ - أن الذين وصفوا وضوء النبي ﷺ ذكروا أنه توضأ متواليًا، ولم يكن يفصل بين أعضاء وضوئه.
٤ - أن الوضوء عبادة واحدة، فإذا فرق بين أجزائها لم تكن كذلك.
أما القائلون بأن الموالاة سنة، فاستدلوا بما يلي:
١ - اية الوضوء، ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء، فكيفما غسل جاز، فَرَّقَ بين الأعضاء أو نسَّق.
٢ - أن الوضوء إحدى الطهارتين فلم تجب الموالاة فيها كالغسل، وقالوا: إن المراد بإحسان الوضوء تكميل ما نقص منه، وأما أمره بالإعادة في حديث ابن معدان فلأنه يحتمل أنه أراد التشديد عليه في الإنكار والتنبيه على أن من ترك شيئًا فكأنه تارك للكل، أو أنه سمَّى غَسْلَ ما تركه: إعادة، باعتبار ظن المتوضئ.
أما القائلون بأنه إن تعمد التفريق بطل وضوؤه وإلا فلا، فاستدلوا بأدلة الأولين، كما استدلوا بعموم الأدلة على أن الناسي معفو عنه، كقوله ﷺ: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (^١).
وهذا القول هو الراجح - إن شاء الله تعالى - لقوة الدليل على ذلك، وهي الأحاديث الثلاثة المذكورة: حديث أنس، وحديث عمر، وحديث خالد بن معدان، ولعلها باجتماعها يقوي بعضها بعضًا، وكذا ما جاء في معناها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وهذا القول الثالث هو الأظهر والأشبه

(^١) أخرجه ابن حبان (١٦/ ٢٠٢)، والدارقطني (٤/ ١٧٠)، والحاكم (٢/ ١٩٨)، والبيهقي (٧/ ٣٥٦) وهو حديث صحيح له طرق وشواهد، وقد حسنه النووي في "الأربعين"، وأقره الحافظ في" التلخيص" (١/ ٣٠١)، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على "الإحكام" لابن حزم (٢/ ٧١٣)، وسيأتي شرحه -إن شاء الله- في كتاب "الطلاق".

1 / 235