منحة العلام في شرح بلوغ المرام
الناشر
دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٧ - ١٤٣٥ هـ
تصانيف
وهذا قول المالكية على خلاف عندهم، هل هو في أصابع اليدين والرجلين، أو يجب في أصابع اليدين، ويستحب في أصابع الرجلين؟ وذلك لأن أصابع الرجلين متقاربة فهي أشبه بالعضو الواحد، فلا يلزم تخليلها، وأما أصابع اليدين فهي متفرقة، فاعتبر كل إصبع كعضو مستقل، يجب تدليكه (^١).
وذهب الجمهور إلى أن التخليل مستحب وليس بواجب، إذا وصل الماء إلى ما بين الأصابع، فإن لم يصل إلا بالتخليل فهو واجب اتفاقًا (^٢).
واستدل الجمهور بظاهر القران، وهو قوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ ..﴾ قالوا: فأمر الله تعالى بالغسل، وهو يصدق على مجرد وصول الماء إلى البشرة بدون تخليل، والتخليل أمر زائد لا يثبت إلا بدليل بَيِّنٍ على الوجوب، فيصرف الأمر في حديث لقيط إلى الندب، ولأن جميع من وصفوا وضوء النبي ﷺ لم يذكروا التخليل، فالجمع بين حديث لقيط وهذه الأحاديث هو حمله على الاستحباب، قال ابن القيم: (وكذلك تخليل الأصابع لم يكن يحافظ عليه، وفي السنن عن المستورد بن شداد: (رأيت النبي ﷺ إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره). وهذا إن ثبت فإنما كان يفعله أحيانًا، ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه، كعثمان وعلي وعبد الله بن زيد والرُّبَيِّع وغيرهم، على أن في إسناده عبد الله بن لهيعة) (^٣).
وهذا هو الأظهر إن شاء الله، وهو أنه إن توقف إيصال الماء لما بين الأصابع على التخليل كأن يكون الماء قليلًا فالتخليل واجب؛ لأن الله تعالى أمر بالغسل، وهو لا يتم إلا بالتخليل، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وإن كان الماء كثيرًا بحيث يصل الماء إلى ما بين الأصابع بدون تخليل فهو مستحب وليس بواجب، والله أعلم.
الوجه السادس: الحديث دليل على استحباب المبالغة في الاستنشاق إلا للصائم فليست مستحبة، لئلا تؤدي المبالغة في الاستنشاق إلى دخول الماء
(^١) انظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير" (١/ ٨٧). (^٢) انظر: "المغني" (١/ ١٥٢). (^٣) "زاد المعاد" (١/ ٩٨).
1 / 178