وأخرج البخاري في صحيحه من طريق مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنهم -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فغذا قضي نهمته فلعجل إلى أهله " (¬2). قال أبو عمر بن عبد البر (¬3): هذا حديث تفرد به مالك عن سمي ولا يصح آخره، وانفرد به أيضا سمي، فلا يحفظ عن غيره. وهو صحيح ثابت احتاج الناس فيه إلى مالك، وليس له غير هذا الإسناد من وجه يصح.
وروي عبيد الله بن المنتاب عن سليمان بن إسحاق الطلحي عن هارون الفروي عن عبد الملك بن الماجشون قال: قال مالك: ما بال أهل العراق يسألون عن حديث: "السفر قطعة من العذاب"؟ قيل له: لم يروه غيرك. فقال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما حدثت به (¬1). ولا معارضة بينه وبين الأحاديث الدالة على مدح السفر، كما ظنه قوم، لاحتمال أن يكون العذاب - وهو التعب والنصب - مبتدأ للصحة والراحة (¬2).
قال ابن بطال (¬3): "لأن في الحركة والرياضة منفعة لأهل الدعة والرفاهة، كالدواء المر المعقب للصحة، وإن كان في تناوله كراهية".
والنهمة (بكسر النون وسكون الهاء): الحاجة وبلوغ الغرض. قال ابن التين: وضبطناه أيضا بكسرها. وقوله " فلعجل إلى أهله" أي: يسرع بالرجوع إليهم ليزيل عذابه ويطيب له طعامه وشرابه.
وذكر الخطابي (¬4) أن فيه حجة لمن رأى تغريب الزاني بعد جلده. قال تعالى: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} [النور: من الآية2].
صفحة ٢٤