فاسدة أوقعها في قلوبهم المبالغة في إطراء النبي ﷺ، المنهي عنه بقوله: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى"١. وأحاديث موضوعة كاذبة وقعت إليهم فاعتقدوا صحتها، وهي مفتراة على رسول الله ﷺ.
ويكفي لمن ينكر هذه العقيدة أنه لم يقم دليل من كتاب أو سنة صحيحة عليها، مع الجزم باتفاق الكل على أن النبي ﷺ كان يعرض له الأمر فيتوقف فيه إلى أن يأتيه الوحي من الله به، وحديث الإفك على الصدّيقة الطاهرة شاهد، ومن ادّعى أنه أفيضت عليه بعد ذلك العيون فليأتِ بآية أو حديث، ولا طريق لإثبات مثل هذا إلا الخبر الصادق.
وهذه العقيدة هي الفرقان بين أهل السنة وبين المبتدعة عند أكثر مسلمي الهند، فمن كان يعتقد أن النبي ﷺ كان يعلم جميع ما كان وما يكون فهو من أهل السنة والخير، وإن لم يكن يعتقد ذلك فهو من أهل البدعة والفساد، ولعلمائهم في ذلك رسائل لا تكاد تحصى، شحنوها بالدلائل الفاسدة على هذه المقالة الشنيعة والرد على مخالفيهم فيها.
قال: وقد سُئِلْتُ عن هذه المسألة وأنا بالهند سنة تسع عشر وثلاثمائة بعد الألف، وكان قصد السائل تعرف عقيدتي بما أعرف من الحق الذي لا مرية فيه، وهو أن النبي ﷺ أطلعه الله تعالى على كثير من المغيبات لمصالح يقتضيها التشريع، ولم يطلعه على كل ما كان ويكون، وبينت له أن هذا لا يحط من عليِّ مرتبته ﵇، بل من الأدب مع الله ومعه أن لا نصفه بما لم يصف نفسه به، ولا أن نثبت له ما لم يخبر هو بثبوته لنفسه.
فأنكر علينا ذلك، وتحركت نفسه للمحاجّة، فقلنا له: أترى أن النبي ﷺ كان يعلم عدد الشعرات التي في لحيتك؟ فقال: لا. فقلنا: أفترى أن لحيتك ليست من المكونات؟ فانقطع في ميدان المناظرة قبل أن ينقل فيه قدمًا. إلا أن هذا
_________
١ أخرجه البخاري (٣٤٤٥، ٦٨٣٠) من حديث عمر بن الخطاب ﵁، وتمامه: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ؛ فقولوا: عبدُ الله ورسوله".
1 / 70