الذي قيل: إن سيبويه أخذه وزاد عليه ما استفاده من الخليل ونسبه إليه -أودعه شخص وديعة، فنمي الخبر إلى يوسف بن عمر أمير العراقين، فكتب إلى نائبه بالبصرة يأمره أن يحمل عيسى بن عمرو مقيدًا، فدعا به، ودعا حدادًا وأمره بتقييده، فلما قيده قال له: لا بأس عليك إنما أرادك لتعليم ولده، قال: فما بال القيد إذًا؟! فلما وصل إليه سأله فأنكر، فأمر بضربه فضُرب بالسياط، توفي سنة تسع وأربعين ومائة. كان كثير الاستعمال للغريب والتقعّر في كلامه، وهو القائل: افرنقعوا عني. قال يومًا لأبي عمرو بن العلاء: أنا أفصح من معد بن عدنان، فاستنشده أبو عمرو بيتًا فيه بدا بمعنى ظهر، وقال له: كيف تسنده إلى جماعة الإناث أتقول بدين أو بدان؟ فقال: بدَيْنَ، فقال: أخطأت. ولو قال بدان لأخطأ أيضًا. وإنما أراد أبو عمر تغليطه، وإنما الصواب بَدَوْنَ من بدا يبدو إذا ظهر، وبدأ يبدأ إذا شرع في الشيء معنى آخر ذكرت هذا استطرادًا لاشتماله على فائدة.
(أبو جعفر محمد بن الزيات بن عبد الملك) ١ وزير المعتصم، ثم ابنه هارون ثم الواثق، ثم لما مات الواثق أشار هو بتولية ولده، وأشار القاضي أحمد بتولية أخيه المتوكل، وتم أمر المتوكل، فحقد ذلك عليه مضمومًا إلى حقده عليه القديم، لأنه كان يغلظ عليه في حياة الواثق تقربًا إليه، وكان ابن الزيات قد صنع تنورًا من حديد في أيام وزارته وله مسامير محدودة إلى داخله يعذب فيه الناس، وكان يقول إذا استرحم: الرحمة خور في الطبيعة. فلما اعتقله المتوكل أدخله التنور وقيده بخمسة عشر رطلًا من الحديد ومات في التنور، فوجد قد كتب في التنور بفحمة:
من له عهد بنور ... يرشد الصب إليه
سهرت عيني ونامت ... عين من هنت عليه
رحم الله رحيمًا ... دلت عيني عليه
_________
١ ترجمته في: "تاريخ الطبري" (١١/ ٢٧) و"تاريخ بغداد" (٢/ ٣٤٢) و"سير أعلام النبلاء" (١١/ ١٧٢) و"البداية والنهاية" (١٠/ ٣٤٦) .
1 / 64