كتابه في دعاء المؤمنين: ﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ وثبت في الصحيح "أن الله قال: قد فعلت". لاسيما وقد يكون من يوافقكم في أخص من الإسلام، مثل أن يكون مثلكم على مذهب الشافعي، أو منتسبًا إلى الشيخ عدي، ثم بعد هذا قد يخالف في شيء وربما كان الصواب معه، فكيف يستحل عرضه أو دمه أو ماله مع ما قد ذكر الله من حقوق المسلم والمؤمن، وكيف يجوز التفريق بين الأمة بأسماء مبتدعة لا أصل لها في كتاب الله ولا سنة رسوله؟! وهذا التفرق الذي حصل بين الأمة- علمائها ومشائخها وأمرائها وكبرائها- هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليهم، وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله، كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ ١. وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا، فإن الجماعة رحمة، ديان الفرقة عذاب، وجماع ذلك: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ إلى قوله: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ ٢. فمن الأمر بالمعروف؛ الأمر بالائتلاف والاجتماع، والنهي عن الاختلاف والفرقة، ومن النهي عن المنكر؛ إقامة الحدود على من خرج عن شريعة الله تعالى، فمن اعتقد في بشر أنه إله أو دعا ميتًا، أو طلب منه الرزق والنصر والهداية، وتوكّل عليه، وسجد له؛ فإنه يستتاب فإن تاب وإلاّ ضُربت عنقه"٣ انتهى.
فعُلم منه حكم من ابتدع وحكم الغلاة، فإن من اعتقد في بشر أنه إله أو دعا ميتًا أو طلب منه الرزق وغير ذلك ليس حكمه حكم المبتدع كما قال، ولا يشترط في الخروج عن الدين- والعياذ بالله- أن يكفر المكلّف بجميع ما جاء به الرسول، بل يكفي في الكفر والردة أن يأتي بما يوجب ذلك ولو في بعض الأصول، وهذا ذكره الفقهاء من أهل كل مذهب، ومن أراد الوقوف على جزئيات وفروع في الكفر
_________
١ سورة المائدة: ١٤.
٢ سورة آل عمران: ١٠٢- ١٠٤.
٣ "مجموع الفتاوى" (٣/ ٤٢٠- ٤٢١) .
1 / 44