فتبسم يحيى فقال: أما إنك لست بكذاب، وتعجب من سلامته!! وقال: الذنب لغيرك في هذا الحديث.
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال بترجمة أبي الأزهر: كان عبد الرزاق يعرف الأمور فما جسر يحدث بهذا الأثر إلا أحمد بن الأزهر والذنب لغيره. ويعني بغيره محمد بن علي بن سفيان البخاري كما بينه الذهبي.
فليت شعري ما الذي يخافه عبد الرزاق مع شرفه وشهرته وفضله؟! لولا عادية النواصب وداعية السوء!!وأن يواجهه مثل ابن معين بالتكذيب وأن يشيطوا بدمه، ويا عجبا من ابن معين لم يرض بكتمانه فضائل أمير المؤمنين عليه السلام حتى صار يقيم الحواجز دون روايتها!! وأعجب من ذلك قوله: الذنب فيه لغيرك، فإن رجال سند الحديث كلهم من كبار علماء القوم وثقاتهم، وما أدري ما الذي أنكره من هذا الحديث وهو لم يدل إلا على فضيلة مسلمة مشهورة من أيسر فضائل أمير المؤمنين؟! ولعله أنكر تمام الحديث وهو: (( من أحبك فقد أحبني، ومن أبغضك فقد أبغضني، وحبيبك حبيب الله، وبغيضك بغيض الله، والويل لمن أبغضك )). وذلك لأنهم ربما يجدون من أنفسهم بغض إمام المتقين، ويعسوب الدين، وهم يزعمون أنهم لا يبغضون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما يعلمون بغض معاوية وسائر البغاة لأمير المؤمنين، وأنهم أشد أعدائه والبغيضون له، وهم يرونهم أولياء الله وأحباءه، ولذا لما أشار الذهبي في الميزان إلى الحديث قال: يشهد القلب بأنه باطل، وأنا أشهد له بشهادة قلبه ببطلانه، إذ لم يخالط قلبه حب ذلك الإمام الأعظم، فكيف يصدق بصحته، وإن استفاضت بمضمونه الرواية، حتى روى مسلم: أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (( والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق )).
فإذا كان هذا حال ملوكهم وعلمائهم وعوامهم في عصر العباسيين، فكيف ترى الحال في عصر الأمويين الذي صار فيه سب أخ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفسه شعارا ودينا لهم، والتسمية باسمه الشريف ذنبا موبقا عندهم؟!
صفحة ٥