إن من جملة ما تعرف به وثاقة الرجل وصدقه في روايته التي يرويها، عدم اغتراره بالجاه والمال، وعدم مبالاته في سبيلها بالخطر الواقع عليه، فإن غير الصادق لا يتحمل المضار بأنواعها لأجل كذبة يكذبها، لا يعود عليه فيها نفع ولا يجد في سبيلها إلا الضرر، ومن المعلوم أن من يروي في تلك العصور السالفة فضيلة لأمير المؤمنين عليه السلام أو منقصة لأعدائه، فقد غرر بنفسه وجلب البلاء إليه، كما هو واضح لكل ذي أذن وعين.
ذكر الذهبي في تذكرة الحفاظ بترجمة الحافظ ابن السقا عبد الله بن محمد الواسطي قال: إنه أملى حديث الطير في واسط فوثبوا به وأقاموه وغسلوا موضعه.
وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان بترجمة النسائي أحمد بن شعيب صاحب كتاب (السنن) أحد الصحاح الستة: أنه خرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وما روي في فضائله؟ فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتى يفضل. وفي رواية أخرى: لا أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنه، فمازالوا يدفعون في حضنه. وفي رواية: يدفعون في خصييه، وداسوه حتى حمل إلى الرملة ومات بها.
وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس وهو منقول. فإذا كان هذا فعلهم مع أشهر علمائهم لمجرد إنكار فضل معاوية، فما ظنك بفعلهم مع غيره إذا روى ما فيه طعن على الخلفاء الأول.
وذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب بترجمة نصر بن علي بن صهبان نقلا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: لما حدث نصر بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ بيد حسن وحسين فقال: (( من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان في درجتي يوم القيامة )) ، أمر المتوكل بضربه ألف سوط، فكلمه فيه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له: هذا من أهل السنة، فلم يزل به حتى تركه.
ونقل ابن حجر أيضا في الكتاب المذكور بترجمة أبي الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري: أنه لما حدث أبو الأزهر، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الله، عن ابن عباس قال: نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي [عليه السلام] فقال: (( أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة ... )) الحديث، أخبر بذلك يحيى بن معين، فبينا هو عنده في جماعة إذ قال يحيى: من هذا الكذاب النيسابوري الذي يحدث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟! فقام أبو الأزهر فقال: هو ذا أنا!
صفحة ٤