132

وبهذا يتضح ما كررناه مرارا، أنهم يجرحون الرجل بروايته لما ينكرونه في فضائل علي وسائر أهل البيت، لمخالفته عقيدتهم في الصحابة، ولا يحتاجون لجرحه إلى أمر آخر ككونه لا يصلي أو لكونه يشرب الخمر، بل اعتمدوا في جرح الشيعة أنهم رووا تلك الأحاديث، كأن العثمانية كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طول حياته، فعلموا ما هو الصحيح من الروايات وما هو المكذوب، ومن العجيب تغافل ابن حبان ومن حذا حذوه في إنكار ما يروي عن المشاهير، مما ليس يرويه عن المشاهير إلا واحد أو اثنان، فيجعلون تلك الرواية منكرة، بدعوى أنه لا يرويها سائر الرواة عن المشاهير ، يوهمون أنها لو كانت صحيحة لرواها الحفاظ من تلاميذ المشاهير، كما رووا سائر حديثهم، ولاشتهرت عنهم كما اشتهر سائر حديثهم، وهذا تغافل وتجاهل فإنهم يعلمون أن الحال لم تكن تسعد كثيرا من المشاهير على نشر فضائل علي عليه السلام، أفلا يرضى ابن حبان وأضرابه عن المحدث إلا أن يكون حديثه مما لا تأباه السياسة الأموية، بحيث لو عرض على الحجاج بن يوسف لما أنكره، هذا هو الظاهر فإن القوم حذوا حذو بني إسرائيل في كتمان الحق، وصاروا لا يرضون عن أحد حتى يتبع ملتهم، كما قال الله تعالى: { ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } [البقرة:120]. ولو لا كتمان القوم للحق، لذكروا هذا العذر الواضح واعتذروا به لمن تفرد عن أنس وسفيان وعبد الرزاق وغيرهم في رواية فضائل علي عليه السلام، وقد عرفوا أن الراوي كان يخاف الدولة، ثم صار الجمهور على مذهب الدولة، فكان الراوي يخاف عدوان الجمهور وأذيتهم. أفلا يكون هذا عذرا في ترك نشر الفضائل والاقتصار على إبلاغها لمن يوثق به في كتمانها عمن يخشى ضره ؟!

صفحة ١٣٢