الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
الناشر
دار إحياء التراث العربي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1418هـ- 1998م
مكان النشر
لبنان
فالرحمة عبارة عن الموجود الأول المعبر عنه بالمطلوب والمغضوب عليهم النفس الأمارة والضالون عالم التركيب مادامت هي مغضوبة عليها إذ الباري منزه عن أن ينزه إذ لا غير ولا موجود إلا هو ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله : ' المؤمن مرآة أخيه لوجود الصورة على كمالها إذ هي محل المعرفة وهي الموصلة ولو أوجده على غير تلك الصورة لكان جمادا فالحمد لله الذي من على العارفين به الواقفين معه بمواد العناية أزلا وأبدا تنبيه اللام تفني الرسم كما أن الباء تبقيه ولهذا قال أبو العباس بن العريف العلماء لي والعارفون بي فاثبت المقام الأعلى للام فإنه قال في كلامه والعارفون بالهمم ثم قال في حق اللام والحق وراء ذلك كله ثم زاد تنبيها على ذلك ولم يقنع بهذا وحده فقال والهمم للوصول والهمة للعارفين البائيين وقال في العلماء اللاميين وإنما يتبين الحق عند اضمحلال الرسم وهذا هو مقام اللام فناء الرسم فالحمد لله أعلى من الحمد بالله فإن الحمد بالله يبقيك والحمد لله ينيك فإذا قال العالم الحمد لله أي لا حامد لله إلا هو فأحرى أن لا يكون ثم محمود سواه وتقول العامة الحمد لله أي لا محمود إلا الله وهي الحامدة فاشتركا في صورة اللفظ فالعلماء أفنت الحامدين المخلوقين والمحمودين والعامة أفنت المحمودين من الخلق خاصة وأما العارفون فلا يتمكن لهم أن يقولوا الحمد لله الأمثل العامة وإنما مقامهم الحمد بالله لبقاء نفوسهم عندهم فتحقق هذا الفصل فإنه من لباب المعرفة ' وصل في قوله رب العالمين الرحمن الرحيم ' أثبت بقوله عندنا وفي قلوبنا رب العالمين حضرة الربوبية وهذا مقام العارف ورسوخ قدم النفس وهو موضع الصفة فإن قلونا لله ذاتية المشهد عالية المحتمد ثم أتبعه بقوله رب العالمين أي مريهم ومغذيهم والعالمين عبارة عن كل ما سوى الله والتربية تنقسم قسمين تربية بواسطة وبغير واسطة فإما الكلمة فلا يتصور واسطة في حقه ألبتة وأما من دونه فلا بد من الواسطة ثم تنقسم التربية قسمين التي بالواسطة خاصة قسم محمود وقسم مذموم ومن القديم تعالى إلى النفس والنفس داخلة في الحد ما ثم إلا محدود خاصة وأما المذموم والمحمود فمن النفس إلى عالم الحس فكانت النفس محلا قابلا لوجود التغيير والتطهير فنقول إن الله تعالى لما أوجد الكلمة المعبر عنها بالروح الكلي إيجاد إبداع أوجدها في مقام الجهل ومحل السلب أي أعماه عن رؤية نفسه فبقي لا يعرف من أين صدر ولا كيف صدر وكان الغذاء فيه الذي هو سبب حياته وبقائه وهو لا يعلم فحرك الله همته لطلب ما عنده وهو لا يدري أنه عنده فأخذ في الرحلة بهمته فاشهده الحق تعالى ذاته فكن وعرف أن الذي طلب لم يزل موصوفا قال إبراهيم بن مسعود الألبيري :
صفحة ١٦٢