الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
الناشر
دار إحياء التراث العربي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1418هـ- 1998م
مكان النشر
لبنان
واخلع نعلي قدمي كوني . . . علمي شفع يكن الكلم ولذلك يتعلق العلم بالمعلومات والإرادة الواحدة بالمرادات والقدرة الواحدة بالمقدورات فتقع القسمة والتعداد في المقدورات والمعلومات والمرادات وهو الشطر الموجود في الرقم ويقع الاتحاد والتنزه عن الأوصاف الباطنية من علم وقدرة وإرادة وفي هذا إشارة فافهم ولما كانت الحاء ثمانية وهو وجود كمال الذات ولذلك عبرنا عنه بالكلمة والروح فكذلك النون خامسة في العشرات إذ يتقدمها الميم الذي هو رابع فالنون جسماني محل إيجاد مواد الروح والعقل والنفس ووجود الفعل وهذا كله مستودع في النون وهي كلية الإنسان الظاهرة ولهذا ظهرت تتمة وإنما فصل بين الميم والنون بالألف مان إذ الميم ملكوتية لما جعلناها للروح والنون ملكية والنقطة جبروتية لوجود سر سلب الدعوى كأنه يقول أي يا روح الذي هو الميم لم نصطفك من حيث أنت لكن عناية سبقت لك في وجود علمي ولو شئت لاطلعت على نقطة العقل ونون الإنسانية دون واسطة وجودك فاعرف نفسك واعلم أن هذا اختاص بك مني من حيث أنا لا من حيث أنت فصحت الاصطفائية فلا تجلى لغيره أبدا فالحمد لله على ما أولى فتنبه يا مسكين في وجود الميم دائرة على صورة الجسم مع التقدم كيف أشار به إلى التنزه عن الانقسام وانقسام الدائرة لا يتناهى فانقسام روح الميم بمعلوماته لا يتناهى وهو في ذاته لا ينقسم ثم انظر الميم إذا انفصل وحده كيف ظهرت منه مادة التعريق لما نزل إلى وجود الفعل في عالم الخطاب والتكليف فصارت المادة في حق الغير لا في حق نفسه إذ الدائرة تدل عليه خاصة فما زاد فليس في حقه إذ قد ثبتت ذاته فلم يبق إلا أن يكون في حق غيره فلما نظر العبد إلى المادة مد تعريقا وهذا هو وجود التحقيق ثم اعلم أن الجزء المتصل بين الميم والنون هو مركز ألف الذات وخفيت الألف ليقع الاتصال بين الميم والنون بطريق المادة وهو الجزء المتصل ولو ظهرت الألف لما صح التعريق للميم لأن الألف حالت بينهما وفي هذا تنبيه على قوله ' رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن ' وجود الألف المرادة هذا على من أعربه مبتدأ ولا يصح من طريق التركيب والصحيح أن يعرب بدلا من الرب فتبقى الألف هنا عبارة عن الروح والحق قائم بالجميع والميم السموات والنون الأرض وإذا ظهرت الألف بين الميم والنون فإن الاتصال بالميم لا بالنون فلا تأخذ النون صفة أبدا من غير واسطة لقطعها ودل اتصالها بالميم على الأخذ بلا واسطة والعدم الذي صح به القطع فيه يفنى النون ويبقى الميم محجوبا عن سر قدمه بالنقطة التي في وسطه التي هي جوف دائته بالنظر إلى ذاته بعد أن لم تكن فيما ظهر له سؤال وجوابه قيل فكيف عرفت سر قدمه ولم يعرفه هو وهو أحق بمعرفة نفسه منك إن نظرت إلى ظاهرك أو هل العالم بسر القدم فيه هو المعنى الموجود فيك المتكلم فيه وهو ميم الروح فقد وقف على سر قدمه الجواب عن ذلك أن الذي علم منا سر القدم هو الذي حجبناه هناك فمن الوجه الذي أثبتنا له العلم غير الوجه الذي أثبتنا له منه عدم العلم ونقول إنما حصل له ذلك علما لا عينا وهذا موجود فليس من شرط من علم شيأ أن يراه والرؤية للمعلوم أتم من العلم به من وجه وأوضح في المعرفة به فكل عين علم وليس كل علم عينا إذ ليس من شرط من علم أن ثم مكة رآها وإذا رآها قطعنا أنه يعلمها ولا أريد الاسم فللعين درجة على العلم معلومة كما قيل :
صفحة ١٥٦