الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
الناشر
دار إحياء التراث العربي
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
1418هـ- 1998م
مكان النشر
لبنان
فكأنما خمر ولا قدح . . . وكأنما قدح ولا خمر وأما ظاهر الرداء فلا يعرف المرتدي أبدا وإنما يعرف باطن ذاته وهو حجابه فكذلك لا يعلم الحق إلا العلم كما لا يحمده على الحقيقة إلا الحمد وأما أنت فتعلمه بوساطة العلم وهو حجابك فإنك ما تشاهد إلا العلم القائم بك وإن كان مطابقا للمعلوم وعلمك قائم بك وهو مشهودك ومعبودك فإياك أن تقول إن جريت على أسلوب الحقائق إنك علمت المعلوم وإنما علمت العلم والعلم هو العالم بالمعلوم وبين العلم والمعلوم بحور لا يدرك قعرها فإن سر التعلق بينهما مع تباين الحقائق بحر عسير مركبه بل لا تركبه العبارة أصلا ولا الإشارة ولكن يدركه الكشف من خلف حجب كثيرة دقيقة لا يحس بها أنها على عين بصيرته لرقتها وهي عسيرة المدرك فاحرى من خلقها فانظر أين هو من يقول إني علمت الشيء من ذلك الشيء محدثا كان أو قد يماثل ذلك في المحدث وأما القديم فأبعد وأبعد إذ لا مثل له فمن أين يتوصل إلى العلم به أو كيف يحصل وسيأتي الكلام على هذه المسئلة السنية في الفصل الثالث من هذا الباب فلا يعرف ظاهر الرداء المرتدي إلا من حيث الوجود بشرط أن يكون في مقام الاستسقاء ثم يزول ويرجع لأنها معرفة علة لا معرفة جذب وهذه رؤية أصحاب الجنة في الآخرة وهو تجل في وقت دون وقت وسيأتي الكلام عليه في باب الجنة من هذا الكتاب وهذا هو مقام التفرقة وأما أهل الحقائق باطن الرداء فلا يزالون مشاهدين أبدا ومع كونهم مشاهدين فظاهرهم في كرسي الصفات ينعم بمواد بشرة الباطن نعيم اتصال وانظر إلى حكمته في كون ذلك مبتدأ ولم يكن فاعلا ولا مفعولا لما لم بسم فاعله لأنه لا يصح أن يكون فاعلا لقوله لا ريب فيه فلو كان فاعلا لوقع الريب لأن الفاعل إنما هو منزله لا هو فكيف ينسب إليه ما ليس بصفته لأن مقام الذال أيضا يمنع ذلك فإنه من الحقائق التي كانت ولا شيء معها ولهذا لا يتصل بالحروف إذا تقدم عليها كالألف وأخواته الدال والراء والزاي والواو ولا يقول فيه أيضا مفعول لم يسم فاعله لأنه من ضرورته أن يتقدمه كلمة على بنية مخصوصة محلها النحو والكتاب هنا نفس الفعل والفعل لا يقال فيه فاعل ولا مفعول وهو مرفوع فلم يبق إلا أن يكون مبتدأ ومعنى مبتدأ لم يعرف غيره من أول وهلة ألست بربكم قالوا بلى فإن قيل من ضرورة كل مبتدأ أن يعمل فيه ابتداء قلنا نعم عمل فيه أم الكتاب فهي الابتداء العاملة في الكتاب والعامل في الكل حقا وخلقا الله الرب ولهذا نبه الله تبارك وتعالى بقوله ' أن اشكر لي ولوالدي ' فشرك ثم قال ' إلي المصير ' فوحد فالشكر من مقام التفرقة فكذلك ينبغي لك أن تشكر الرداء لما كان سببا موصلا إلى المرتدي والمصير من الرداء ومنك إلى المرتدي كل على شاكلته يصل فتفهم ما قلناه وفرق بين مقام الذال والألف وأن اشتر كافي مقام الوحدانية المقدسة قبلية حالا ومقاما وبعدية مقاما لا حالا ' تنبيه ' قال ذلك ولم يقل تلك آيات الكتاب فالكتاب للجمع والآيات للتفرقة وذلك مذكر مفرد وتلك مفرد مؤنث فأشار تعالى بذلك الكتاب أولا لوجود الجمع أصلا قبل الفرق ثم أوجد الفرق في الآيات كما جمع العدد كله في الواحد كما قدمناه فإذا أسقطناه انعدمت حقيقة ذلك العبد دوما بقي للألف أثر في الوجود وإذا أبرزناه برزت الألف في الوجود فانظر إلى هذه القوة العجيبة التي أعطتها حقيقة الواحد الذي منه ظهرت هذه الكثرة إلى ما لا يتناهى وهو فرد في نفسه ذاتا واسما ثم أوجد الفرق في الآيات قال تعالى ' إنا أنزلناه في ليلة مباركة ' ثم قال ' فيها يفرق كل أمر حكيم ' فبدأ بالجمع الذي هو كل شيء قال تعالى ' وكتبنا له في الألواح ' من كل شيء في الألواح مقام الفرق من كل شيءإشارة إلى الجمع موعظة وتفصيلا رد إلى الفرق لكل شيء رد إلى الجمع فكل موجود أي موجود كان عموما لا يخلو أن يكون إما في عين الجمع أو في عين الفرق لا غير ولا سبيل أن يعرى عن هاتين الحقيقتين موجود ولا يجمعها أبدا فالحق والإنسان في عين الجمع والعالم في عين التفرقة لا يجتمع كما لا يفترق الحق أبدا كما لا يفترق الإنسان فالله سبحانه لم يزل في أزله بذاته وصفاته وأسمائه لم يتجدد عليه حال ولا ثبت له وصف من خلق العالم لم يكن قبل ذلك عليه بل هو الآن على ما كان عليه قبل وجود الكون كما وصفه صلى الله عليه وسلم حين قال كان الله ولا شيء معه وزيد في قوله وهو الآن على ما عليه كان فاندرج في الحديث ما لم يقله صلى الله عليه وسلم ومقصودهم أي الصفة التي وجبت له قبل وجود العالم هو عليها والعالم موجود وهكذا هي الحقائق عند من أراد أن يقف عليها فالتذكير في الأصل وهو آدم قوله ذلك والتأنيث في الفرع وهو حواء قوله تلك وقد أشبعنا القول في هذا الفصل في كتاب الجمع والتفصيل الذي صنفناه في معرفة أسرار التنزيل فآدم لجميع الصفات وحواء لتفريق الذوات أذهى محل الفعل والبذر وكذلك الآيات محل الأحكام والقضايا وقد جمع الله تعالى معنى ذلك وتلك في قوله تعالى ' وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ' فحروف الم رقما ثلاثة وهو جماع عالمها فإن فيها الهمزة وهي من العالم الأعلى واللام وهي من العالم الوسط والميم وهي من العالم الأسفل فقد جمع الم البرزخ والدارين والرابط والحقيقتين وهي على النصف من حروف لفظه من غير تكرار وعلى الثلاث بغير تكرار وكل واحد منهما ثلث كل ثلاث وهذه كلها أسرار تتبعناها في كتاب المبادي والغايات وفي كتاب الجمع والتفصيل فليكف هذا القدر من الكلام على الم البقرة في هذا الباب بعد ما رغبنا في ترك تقييد ما تجلى لنا في الكتاب والكاتب فلقد تجلت لنا فيه أمور جسام مهولة رمينا الكراسة من أيدينا عند تجليها وفررنا إلى العالم حتى خف عنا ذلك وحينئذ رجعنا إلى التقييد في اليوم الثاني من ذلك التجلي وقبلت الرغبة فيه وأمسك علينا ورجعنا إلى الكلام على الحروف حرفا حرفا كما شرطناه أولا في هذا الباب رغبة في الإيجاز والاختصار والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الخامس والحمد لله رب العالمين . والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء الخامس والحمد لله رب العالمين .
بسم الله الرحمن الرحيم
فمن ذلك حرف الألف
ألف الذات تنزهت فهل . . . لك في الأكوان عين ومحل
قال لا غير التفاتي فأنا . . . حرف تأبيد تضمنت الأزل
فأنا العبد الضعيف المجتبي . . . وأنا من عز سلطاني وجل الألف ليس من الحروف عند من شم رائحة من الحقائق ولكن قد سمته العامة حرفا فإذا قال المحقق إنه حرف فإنما يقول ذلك على سبيل التجوز في العبارة ومقام الألف مقام الجمع له من الأسماء اسم الله وله من الصفات القيومية وله من أسماء الأفعال المبدئ والباعث والواسع والحافظ والخالق والبارئ والمصور والوهاب والرزاق والفتاح والباسط والمعز والمعيد والرافع والمحيي والوالي والجامع والمغني والنافع وله من أسماء الذات الله والرب والظاهر والواحد والأول والآخر والصمد والغني والرقيب والمتين والحق له من الحروف اللفظية الهمزة واللام والفاء وله من البسائط الزاي والميم والهاء والفاء واللام والهمزة وله من المراتب كلها وظهوره في المرتبة السادسة وظاهر سلطانه في النبات وأخوته في هذه المرتبة الهاء واللام وله مجموع عالم الحروف ومراتبها ليس فيها ولا خارجا عنها نقطة الدائرة ومحيطها ومركب العوالم وبسيطها .
ومن ذلك حرف الهمزة
همزة تقطع وقتا وتصل . . . كل ما جاورها من منفصل
فهي الدهر عظيم قدرها . . . جل أن يحصره ضرب المثل
الهمزة من الحروف التي من عالم الشهادة والملكوت لها من المخارج أقصى الحلق ليس لها مرتبة في العدد لها من البسائط الفاء والميم والزاي والألف والياء لها من العالم الملكوت ولها الفلك الرابع ودورة فلكها تسع آلاف سنة ولها من المراتب الرابعة والسادسة والسابعة وظهور سلطانها في الجن والنبات والجماد ولها من الحروف الهاء والميم والزاي والهاء في الوقف والتاء بالنطقين من فوق في الوصل والتنوين في القطع لها من الأسماء ما للألف والواو والياء فأغنى عن التكرار وتختص من أسماء الصفات بالقهار والقاهر والمقتدر والقوي والقادر وطبعها الحرارة واليبوسة وعنصرها النار واختلفوا هل هي حرف أو نصف حرف في الحروف الرقمية وأما في التلفظ بها فلا خلاف أنها حرف عند الجميع .
ومن ذلك حرف الهاء
هاء الهوية كم تشير لكل ذي . . . أنيسة خفيت له في الظاهر
هل لا محقت وجود رسمك عندما . . . تبدو لا وله عيون الآخر
صفحة ١٠٩