الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية

ابن عربي الشيخ الأكبر ت. 638 هجري
37

الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية

الناشر

دار إحياء التراث العربي

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

1418هـ- 1998م

مكان النشر

لبنان

فاعلم أن الطريق إلى الله تعالى الذي سلكت عليه الخاصة من المؤمنين الطالبين نجاتهم دون العامة الذين شغلوا | أنفسهم بغير ما خلقت له أنه على أربع شعب : بواعث ودواع و أخلاق و حقائق ، والذي دعاهم إلى هذه الدواعي والبواعث | والأخلاق والحقائق ثلاثة حقوق تفرضت عليهم : حق الله ، و حق لأنفسهم ، وحق للخلق ، فالحق الذي لله تعالى عليهم أن | يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . و الحق الذي للخلق عليهم كف الأذى كله عنهم ما لم يأمر به شرع من إقامة حد وصنائع | المعروف معهم على الاستطاعة والايثار ما لم ينه عنه شرع فإنه لا سبيل إلى موافقة الغرض إلا بلسان الشرع . و الحق الذي | لأنفسهم عليهم أن لا يسلكوا بها من الطرق إلا الطريق التي فيها سعادتها و نجاتها ، و إن أبت فلجهل قام بها أو سوء طبع ، | | فإن النفس الأبية إنما يحملها على إتيان الأخلاق الفاضلة دين أو مروءة ، فالجهل يضاد الدين فإن الدين علم من العلوم | وسوء الطبع يضاد المروءة .

ثم نرجع إلى الشعب الأربع فنقول الدواعي خمسة : الهاجس السببي و يسمى نفر الخاطر ، ثم الإرادة ، ثم العزم ، ثم | الهمة ، ثم النية . والبواعث لهذه الدواعي ثلاثة أشياء : رغبة أو رهبة أو تعظيم . والرغبة رغبتان : رغبة في المجاورة ورغبة | في المعاينة ، وإن شئت قلت : رغبة فيما عنده ورغبة فيه . والرهبة : رهبتان رهبة من العذاب ورهبة من الحجاب ، | والتعظيم إفراده عنك وجمعك به .

والأخلاق على ثلاثة أنواع : خلق متعد ، وخلق غير متعد ، وخلق مشترك . فالمتعدي على قسمين : متعد بمنفعة | كالجود والفتوة ، ومتعد بدفع مضرة كالعفو والصفح واحتمال الأذى مع القدرة على الجزاء والتمكن منه ، وغير المتعدي | كالورع والزهد والتوكل . وأما المشترك فكالصبر على الأذى من الخلق وبسط الوجه . وأما الحقائق فعلى أربع حقائق | ترجع إلى الذات المقدسة ، وحقائق ترجع إلى الصفات المنزهة وهي النسب ، وحقائق ترجع إلى الأفعال وهي كن | وأخواتها ، وحقائق ترجع إلى المفعولات وهي الأكوان والمكونات ، وهذه الحقائق الكونية على ثلاث مراتب : علوية | وهي المعقولات ، وسفلية وهي المحسوسات ، وبرزخية وهي المخيلات . فأما الحقائق الذاتية فكل مشهد يقيمك الحق | فيه من غير تشبيه ولا تكييف لا تسعه العبارة ولا تومي إليه الإشارة . وأما الحقائق الصفاتية فكل مشهد يقيمك الحق فيه | تطلع منه على معرفة كونه سبحانه عالما قادرا مريدا حيا إلى غير ذلك من الأسماء والصفات المختلفة والمتقابلة | والمتماثلة . وأما الحقائق الكونية فكل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة الأرواح والبسائط والمركبات | والأجسام والاتصال والانفصال . وأما الحقائق الفعلية فكل مشهد يقيمك فيه تطلع منه على معرفة كن وتعلق القدرة | بالمقدور بضرب خاص لكون العبد لا فعل له ولا أثر لقدرته الحادثة الموصوف بها . وجميع ما ذكرناه يسمى الأحوال | والمقامات ، فالمقام منها كل صفة يجب الرسوخ فيها ولا يصح التنقل عنها كالتوبة ، والحال منها كل صفة تكون فيها في | وقت دون وقت كالسكر والمحو والغيبة والرضى ، أو يكون وجودها مشروطا بشرط فتنعدم لعدم شرطها كالصبر مع البلاء | والشكر مع النعماء وهذه الأمور على قسمين : قسم كماله في ظاهر الإنسان وباطنه كالورع والتوبة ، وقسم كماله في باطن | الإنسان ، ثم إن تبعه الظاهر فلا بأس كالزهد والتوكل ، وليس ثم في طريق الله تعالى مقام يكون في الظاهر دون الباطن . ثم | إن هذه المقامات منها ما يتصف به الإنسان في الدنيا والآخرة كالمشاهدة والجلال والجمال والأنس والهيبة والبسط . | ومنها ما يتصف به العبد إلى حين موته إلى القيامة إلى أول قدم يضعه في الجنة ويزول عنه كالخوف والقبض والحزن | والرجاء . ومنها ما يتصف به العبد إلى حين موته كالزهد والتوبة والورع والمجاهدة والرياضة والتخلي والتحلي على | طريقة القربة . ومنها ما يزول لزوال شرطه ويرجع لرجوع شرطه كالصبر والشكر والورع . فهذا وفقنا الله وإياك قد بينت لك | الطريق مرتب المنازل ظاهر المعاني والحقائق على غاية الإيجاز والبيان والاستيفاء العام ، فإن سلكت وصلت والله سبحانه | يرشدنا وإياك . |

فصل :

ومدار العلم الذي يختص به أهل الله تعالى على سبع مسائل من عرفها لم يعتص عليه شيء من علم | الحقائق ، وهي معرفة أسماء الله تعالى ، ومعرفة التجليات ، ومعرفة خطاب الحق عباده بلسان الشرع ، ومعرفة كمال | الوجود ونقصه ، ومعرفة الإنسان من جهة حقائقه ، ومعرفة الكشف الخيالي ، ومعرفة العلل والأدوية ، وذكرنا هذه المسائل | في باب المعرفة من هذا الكتاب فلتنظر هنالك إن شاء الله . |

تتمة :

صفحة ٧٢