المعاصر وجه الجواب بتوجيه آخر وأطال الكلام في تقريبه وملخص ما ذكره هو أن المراد بدلالة اللفظ على تمام ما وضع له في حد المطابقة دلالته عليه المطابقة لإرادة اللافظ الجارية على قانون الوضع وبدلالته على جز ما وضع له في حد التضمن دلالته عليه تبعا لدلالته على الكل مطابقة وبدلالته على الخارج اللازم في حد الالتزام دلالته عليه تبعا لدلالته على الملزوم مطابقة والدلالة المطابقية كما مر تتوقف على الإرادة وهي لا يتحقق في الاستعمال الواحد إلا بالنسبة إلى معنى واحد فلا تتصادق الحدود على دلالة واحدة وحيث كان في كلام المجيب ما لا يلائم ذلك تعسف في تأويله فحمل قوله لا يراد معناه التضمني على معنى لا يراد معناه التضمني الحاصل بسبب ذلك المطابقي بإرادة مستقلة مطابقية أخرى بالنظر إلى وضعه الاخر و حمل قوله فهو يدل على معنى واحد لا غير على معنى أنه لا يدل إلا على معنى مطابقي واحد ولا يخفى ما في هذا التأويل من التكلف في كلام المجيب والتمحل في تنزيل الحد إذ القيود التي اعتبرها مما لا يساعد عليها لفظ الحد ما لم يعتبر فيه قيد الحيثية ومعه يبطل دعوى عدم الحاجة إليها ولا يختص الاندفاع بالقول المذكور ثم المطابقة لا تستلزم التضمن لجواز بساطة المعنى ولا التزام إن اعتبر اللزوم فيه بالمعنى الأخص إذ كثيرا ما نتصور بعض المعاني ولا يخطر بالبال من تصوره تصور غيره وإن اعتبر بالمعنى الأعم استلزمه إذ لا أقل من أن يستلزم أنه ليس غيره والتضمن والالتزام يستلزمان المطابقة لامتناع تعقل الجز من حيث كونه جزا واللازم من حيث كونه لازما بدون تعقل الكل أو الملزوم ضرورة أن المضاف من حيث كونه مضافا لا يعقل بدون تعقل ما أضيف إليه و على المقام إشكال مشهور وهو أن الفعل موضوع للحدث والزمان و النسبة إلى فاعل معين فإذا ذكر مع فاعله دل على الأمور الثلاثة وهو معناه المطابقي وإذا لم يذكر معه دل على الحدث والزمان دون النسبة لامتناع تعقل النسبة الخاصة بدون تعقل طرفيها فيتحقق التضمن بدون المطابقة وهذا الاشكال وإن أورده في الفعل باعتبار دلالته التضمنية لكنه لا يختص به بل يجري في مثل الموصولات أيضا إذا استعملت بدون الصلة لأنها موضوعة للمعنى المتعين بالصلة من حيث كونه متعينا بها فيمتنع تعقله بدون تعقلها ولا بها بل يجري في الدلالة الالتزامية أيضا كذلك كدلالة ضرب بدون الفاعل على الايلام وأجيب عنه بوجوه الأول أن الدلالة عبارة عن التفات النفس إلى المعنى من حيث كونه مرادا اللافظ فهي متأخرة عن تذكر الوضع لتوقفها عليه وهو متأخر عن تذكر طرفيه من اللفظ و المعنى لكونه نسبة بينهما والسامع ينتقل إلى المعنى تارة من حيث تذكر الوضع وأخرى من حيث كونه مقصود اللافظ من حيث اقتضاء الوضع له والدلالة هي الانتقال بالاعتبار الثاني دون الأول وحينئذ فالسامع عند سماع الفعل بدون الفاعل لا ينتقل إلى بعض المعنى من حيث أنه مراد حتى يتحقق التضمن بدون المطابقة بل إنما يتذكر الوضع فيتصور بعض المعنى وليس ذلك من دلالة اللفظ حتى يتجه الاشكال وفيه نظر لان هذا المجيب إن بنى على أن اللفظ موضوع للمعنى من حيث كونه مرادا كانت حيثية الإرادة معتبرة في المعنى الموضوع له وهو واحد طرفي النسبة فلا بد من الانتقال إليها قبل تذكر الوضع أيضا على ما يقتضيه التعليل فيكون الانتقال إلى المعنى قبل تذكر الوضع كالانتقال إليه بعده في كونه مأخوذا من حيث الإرادة فيكون دلالة على ظاهر ما اعترف به حيث فسرها بالانتقال إلى المعنى من حيث كونه مرادا فيعود الاشكال وإن كان بين الإرادة المنتقل إليها لتذكر الوضع والإرادة المنتقل إليها بعده من الوضع فرق نبهنا عليه وإن بنى على أنه موضوع للمعنى من حيث هو كما يلوح من بيانه لم يكن لاخذ الإرادة في الدلالة وجه إلا أن ينزل على اصطلاح مستحدث وهو لا يجدي لورود الاشكال على مطلق الدلالة مع أن ما ادعاه من أن السامع لا ينتقل بسماع الفعل بدون الفاعل إلى بعض المعنى من حيث كونه مرادا وإن كان عالما بالوضع مجازفة واضحة ضرورة أنا كثيرا ما ننتقل بسماع الفعل إلى إرادة الحدث والزمان منه قبل سماع الفاعل على أن دعوى تأخر دلالة اللفظ عن تذكر الوضع المتأخر عن تذكر طرفيه مما يكذبه الوجدان في الألفاظ المتداولة نعم لا بد في الدلالة الوضعية من العلم بالوضع ولو إجمالا كما هو الغالب وهو لا يتوقف على تصور طرفيه تفصيلا كما هو لازم بيانه ولو كان الانتقال من اللفظ إلى المعنى متوقفا على تذكر الوضع تفصيلا لادى إلى التسلسل في الوضع الثاني أنا نفسر الدلالة التي هي المقسم بكون اللفظ متى أطلق إطلاقا صحيحا فهم المعنى منه وإطلاق الفعل بدون الفاعل غير صحيح فلا يدخل في المقسم وفيه مع عدم مساعدته على دفع الاشكال بتمامه لظهور وروده على مطلق الدلالة أن إطلاق الفعل بدون الفاعل إنما لا يصح إذا ترك الفاعل في الكلام بالكلية وأما إذا تعقبه ذكره فلا ريب في صحته ويجري فيه الاشكال لأنه يدل قبل ذكر الفاعل على الحدث والزمان دون النسبة لما مر الثالث أن التضمن لا يقتضي المطابقة الفعلية بل يكفي فيه المطابقة التقديرية فيندفع الاشكال وفيه ما عرفت في تفسير التضمن الرابع أن الفعل لا يدل على النسبة وإنما هي تستفاد من الهيئة التركيبية كما في الجمل الاسمية الصرفة إذ يبعد أن يكون هيئة ضرب زيد، عاريا عن الوضع ويكون هيئة زيد ضارب موضوعا لإفادة النسبة ولأنه يفهم النسبة من الجمل الفعلية على التفصيل والموضوع للمركب إنما يدل على أجزائه بالاجمال ولأنهم عرفوا الفعل بأنه ما دل على معنى في نفسه أي مستقل بالمفهومية فلو اعتبرت النسبة في مفهومه لم يكن مستقلا بتمام مفهومه لا يقال العبرة بجز المعنى إذ المراد بالدلالة الدلالة التضمنية والفعل يستقل في الدلالة على جز معناه لأنا نقول فينتقض حينئذ طرد الحرف بالفعل وعكس الاسم بالاسم الذي لا جز لمعناه بل ينتقض طرد الاسم بالحرف أيضا إذ جز معانيها وهي المفاهيم الكلية كالابتداء المطلق الذي هو جز من معنى من وهو الابتداء الخاص يستقل بالمفهومية وفيه أولا أن الوجه
صفحة ١٩