أصول الإنشاء والخطابة

ابن عاشور ت. 1393 هجري
28

أصول الإنشاء والخطابة

محقق

ياسر بن حامد المطيري

الناشر

مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٣ هـ

مكان النشر

الرياض - المملكة العربية السعودية

تصانيف

لا أدخلُ البَحْر إنِّي ... أخافُ منه المعاطِبْ طِينٌ أنا وهو مَاءٌ ... والطِّينُ في الماء ذائِبْ فقد أَخَذَهُ من كَوْنِ الإنسان طينًا والبَحْرِ ماءً، وذلك واضحٌ مشهور، ولكنَّه تنبَّه إلى الجمع بينهما، وذَكَر أَثَر اجتماعِهما فأحسن الاعتذار. ويسمَّى المعنى الحاصل بالابتكار: عزيزًا وغريبًا. وأما البَدَاهَة: فهي أَخْذُ المعنى الواضح للعقل من وِجْدَانٍ ومشاهدَة، ولا فضل فيه إلا لحُسْن التعبير، ونَبَاهَة المعنى في إحاطته بملاحظةِ مَا تَجِبُ ملاحظتُه. وقد يبلُغ المعنى من دِقَّةِ الوجدان ما يُلحِقُه بالمعاني المبتكَرة، وكلُّ هذا يظهر في الشِّعْر الغَرَاميِّ والتَّوصِيفيِّ وحكايات الأحوال، ومثالُه قَوْلُ من اعتذر عن فِرَاره من الزَّحْف: ألا لا تَلُمْنِي إِنْ فَرَرْتُ فإنني ... أخافُ على فَخَّارَتِي أن تُحَطَّمَا فلو أنني في السُّوقِ أَبْتَاعُ مثلَها ... وَحَقِّكَ ما بَاليتُ أَنْ أتقَدَّمَا وقول الصاحب بن عباد من رسالةٍ في وَصْفِ مُنهَزِمين: "طَارُوا وَاقِينَ بظهورِهم صدورَهم، وبأصلابِهم نُحُورَهم". فإنَّه لم يزد على حُسْن التعبير عن الحالة المشاهَدة. وقولُ أبي نواس في وَصْف كؤوسِ ذهبٍ بها تَصَاويرٌ: تُدَارُ علينا الرَّاحُ في عَسْجَدِيَّةٍ ... حَبَتْهَا بأنواع التَّصَاويرِ فَارِسُ قَرارَتُها كِسْرى وفي جَنَبَاتِهَا ... مَهًا ثَوَّرَتْهَا بالقِسِيِّ الفَوَارِسُ ويسمَّى المعنى الحاصل بذلك بسيطًا؛ إذ الفضل كما قلنا للتعبير.

1 / 71