من الجنس مثل الطاؤوس والفهد (وابن عرس) وربما كان ذلك من المرعى والتربة فإنها تتغير بها الألوان، فاما انا فاني أظن ان علة ألوان الدواب والطير ان المزاجات التي تجتمع في زروعها يدافع كل مزاج منها الاخر، كما يدافع الماء النار إذا اجتمعا فتنتشر قواها لذلك في ظاهر البدن وباطنه وينصبغ الجلد بذلك على قدر ما يجري اليه من تلك المزاجات، ويسود بعض الجلد ويبيض بعض ويحمر بعض أو يصفر، ويتركب من امتزاج بعضها ببعض ألوان لا تحصى ولا تحاط بها علما، وانما قالت الفلاسفة في ذلك وغيره بقدر ما بلغته عقولهم، وبقيت من ذلك دقائق لا يعرفها الا خالقها، فاما شعر الانسان فإنه ما دام يجد رطوبة دسمة فإنه يكون قويا " وان قلت تلك الرطوبة أو رقت " (1) ذهب الشعر من مقدم الرأس لان مؤخر البدن أصلب من مقدمه، وما صلب من الأرض أيضا كان نبته أقوى وأبقى، وقال الفيلسوف ان الصلع ربما كان من ادمان العمائم فتذيب تلك الرطوبة التي في أصول الشعر فتجف أصوله، و ربما كان ذلك من الجماع لان الدماغ بارد رطب والجماع يزيده بردا، وربما دام سواد الشعر لاعتدال منبته وقوة ما يأتيه من الغذاء وربما اسود بعد بياضه، " ولقد كان في جواري بسر من رأى امرأة ذكرت انه قد أتى لها مائة وعشرين سنة ونبتت أسنانها بعد أن سقطت واسود شعرها بعد البياض، " وخبرني غير واحد انهم جربوا لحفظ السواد شيئا عجيبا وان آباءهم جربوا ذلك من قبل فبقي سواد شعورهم إلى آخر أعمارهم، وهو ان توخذ كل يوم من أيام السنة هليلجة كابلية سوداء على الريق ويلوكها حتى لا يبقى على نواها شئ، " يفعل ذلك سنة تامة " (2) في كل يوم إهليلجة فإنه لا يشيب،
صفحة ٥٣