رؤوس القدور وقباب الحمامات، فان الماء يلطف فيها فيصعد إلى أعاليها فإذا تكاثفت تلك البخارات عادت قطرا، وأبين من ذلك ما قد رايته كثيرا في جبال طبرستان، فان البخارات تصعد من الجبال ثم تتكاثف و " تتراكم " (1) في الهواء وتستحيل من يومها مطرا أو من بعد أيام حتى ربما اصطكت تلك البخارات الغليظة بالرياح فيحدث من بينها الصواعق ويحدث من احتكاكها البروق، وربما كان في سفح تلك الجبال وسهلها المطر والرعد والبرق وفي رؤوس الجبال الصحو والشمس، وان قال قائل ان الماء هو نار بالقوة والهواء ارض بالقوة لم يكذب لان في قوة الماء ان يستحيل أجزأ منه فيصير هواء ويستحيل ذلك الهواء فيصير نارا وكذلك الهواء في قوته ان يصير ماء ويصير ذلك الماء أرضا على ما بيناه لأنه ان فسدت حرارة جزء من اجزاء النار صار ذلك الجزء من النار باردا يابسا كالأرض وان فسدت حرارة جزء من اجزاء الهواء صار ذلك الجزء من الهواء باردا رطبا كالماء فافهم هذا وقس عليه تغير الطبائع والمزاجات و استحالاتها على ما بينت.
الباب السادس في الاستحالة ان الاستحالة اثر من فاعل في مفعول، وكل مستحيل فإنما يستحيل إلى ضده، وما لا يستحيل فلا ضد له، وما لا ضد له فليس بواقع تحت الكون والفساد، وكل عنصرين متجاوزين فان أحدهما ينفعل من الاخر، فالفاعل منهما هو العلة. وهو الذي يحول ضده إلى نفسه، والمفعول منهما هو المعلول وهو الذي يتحول إلى ضده، وانما يحول الشئ ضده إلى نفسه إذا كان تضادهما بالصورة كالماء
صفحة ١٥