ثم قسم حال الدولة إلى ثلاثة أقسام أيضا:
الأول:
الدول الوراثية خلفا عن سلف، المطلقة التصرف بلا قيد.
الثاني:
الدول الوراثية المقيدة بالقوانين.
الثالث:
الدول الجمهورية المقيدة بالقوانين أيضا (والجمهورية هي كناية عن انتخاب الأمة رئيسا للدولة يتصرف في إدارتها بمقتضى القوانين مدة حياته أو لمدة معلومة، ثم ينتخب غيره). وبين ما ينشأ عن هذه الأحوال الثلاثة من الخير والشر، وهو معدود عند أهل أوروبا قانونا صحيحا في الأحكام. ومن تمثيلاته البديعة تشبيه المستبد في أحكامه بمن يتوصل إلى اجتناء الثمرة بقطع الشجرة من أصلها. وله غير ذلك عدة تآليف تلقاها الناس بالقبول، من جملتها «المراسلات الفارسية» وهي أشبه بميزان يشنع فيه على عوائد الشرقيين والغربيين ليظهر مذام كل منهم ومحامده. وكان ساح في بلاد أوروبا ليلاحظ في سياحته ما يلايم كل مملكة من الممالك، فقال: إن بلاد ألمانيا تليق للسياحة، وبلاد إيطاليا للإقامة، وبلاد فرانسا للمسرة وطيب العيش. ثم إن رابع هؤلاء الخمسة أشخاص الذين نحن بصدد الكلام عليهم هو دلمبير صاحب «التأليف المحلي بقلائد القواعد»، الحاوي بأوضح بيان ما كاد يأتي على سائر الفوائد. وخامسهم كندليك الذي بسط أشعة التحقيق على تأليف لوك الإنكليزي في علم الفلسفة. ويلي هؤلاء الخمسة جان باتيست روسو صاحب الأشعار ذات المعاني الرائقة، والمعلم ساج صاحب التأليف البارع المعروف ب «جيل بلاس» المحتوي على «المقالة الفلسفية» وهو أحسن مما ألف في بابه.
ومن مشاهير هذا القرن أيضا وولتير. قال بعض المؤلفين: إن هذا الرجل هو ممن أخذ راية الكتابة باليمين وبالشمال واشتهر في فنونها شهرة بالغة، ولو لم يحمله انحلال العقيدة على عدم احترام الشرائع والديانات لكانت شهرته أتم والنفع به أعم. وقال آخرون: إن الشيء إذا تجاوز الحد رجع إلى الضد، وكما أن الجهل مضر فكذلك مقابله إذا صاحبته إساءة الغير؛ وذلك أن هذا العالم أفضت به غزارة علمه إلى القدح في الأديان وفي كثير من ملوك عصره، فعوقب بالطرد عن وطنه وعن كل موضع أراد النزول به. مات في سنة 1778، وله مؤلفات عديدة ترجم منها مؤلفان إلى العربية وطبعا في مصر: الأول يسمى «مطالع شموس السير في وقائع كرلوس الثاني عشر»، وهذا الملك هو ملك أسوج المشهور بالمحاربات الشديدة بينه وبين بطرس الأكبر إمبراطور روسيا. والثاني يسمى «الروض الأزهر في تاريخ بطرس الأكبر»، وهو الإمبراطور المشار إليه، ولكن قل من يثق بتآليف هذا الرجل، غير أن لسوء الحظ نجد كثيرين من الذين تعلموا اللغات الأجنبية في بلادنا يرون بأن ما من فائدة مما تعلموه إلا أن يطالعوا كتبه وأمثالها بلذة ويقتفوا خطواته برغبة لينالوا حق التصدر بين صفوف المتمدنين.
ومنهم جان جاك روسو، وهو نظير وولتير المذكور في الشهرة، وله من حسن التعبير ما لا تستقر معه الأوهام. وهذا الرجل مع وولتير المذكور قبله هما اللذان أنشآ الثورة التي أتت بالمصائب الآتي ذكرها إلى فرانسا وهيآ أسبابها واستعجلا وقوعها. («زبدة الصحائف في سياحة المعارف»، بيروت، 1879)
فرنسيس فتح الله المراش (1836-1873)
صفحة غير معروفة