فهاج السخط الأميرال وصاح: إن لورانس لا تأتي إلى هنا أبدا، وهي تدري أنها يجب عليها أن لا تأتي. قال: عفوا أيها الأميرال، بل يجب عليها أن تأتي. قال: قلت لك كلا، فهي لا تتجرأ. أجاب: بل تتجرأ؛ لأنني أنا الذي أشرت عليها بهذه الجرأة ووعدتها بالحصول على إذن منك. قال: كلا، إنك لم تفعل ذلك. فأجاب: بل فعلته؛ فالسيدة لورانس آتية إلى بيتك منتظرة ما تعزم عليه، وهنا لا بد من الإقرار لك بأنها قد أتت فعلا. قال: أتت إلى هنا؟! أجاب: بل هي في الشارع تحت النوافذ جالسة في مركبة تنتظر مني إشارة تملأ فؤادها سرورا أو دلالة تلقيها في وهدة اليأس القاتل. قال: وكيف ذلك؟ قال: لما وصلت السيدة لورانس إلى تجاه بيتك أرتني إياه وقالت لي: إن والدي في الحجرة التي ترى نوافذها، وأشارت إلى هذه النوافذ، فأجبتها: سوف أحاول عطفه عليك، فإذا أفلحت في مسعاي - وهو ما أرجوه - فتحت لك هذه النافذة وأشرت إليك بالصعود، أما إذا لم أفلح - لا سمح الله - فإني أسدل المرفوع عليها الستر، ففي الحالة الأولى تصدعين، وفي الحال الثانية تذهبين وترجعين إلى عزلتك المحزنة.
ولم يكد يتم دراك هذه الكلمات حتى نهض الأميرال بحركة عصبية، وهجم على الستر يريد إنزاله، فقالت له زوجته: ماذا تفعل؟ فمنعها دراك وهمس في أذنها قائلا: ارتكيه يفعل.
وبعد إنزال الستر بهنيهة صاح دراك يقول: يا لله! ماذا فعلت! قال الأميرال: ما معنى هذا الكلام؟ أجاب: معناه أنني أخطأت. قال: وكيف ذلك؟ أجاب: إن الاضطراب والانفعال حملاني على الخطأ؛ إنما كان الاتفاق بيني وبين السيدة لورانس على إنزال الستار في حال قبولك لا في حال امتناعك.
فأدركت زوجة الأميرال حيلة الإنكليزي وقالت: يا رباه!
فتسلط الحنق على الأميرال لأنه انخدع بهذه الحيلة اللطيفة، وتأثر عند التفكر في أن ابنته مقبلة، فقال: والآن؟
أجاب السير دراك وهو يستمهل في كلامه ليمكن لورانس من الوصول، فقال: والآن قد كان خطئي السبب في دخول السيدة لورانس ... فهي صاعدة في السلم وفؤادها يخفق شكرا وانفعالا ... والخلاصة أنها آتية، وها هي أيها الأميرال.
وما كاد يتلفظ بهذه الجملة الأخيرة حتى فتحت لورانس الباب، ولبثت هنيهة واقفة على العتبة وهي صفراء متغير لونها، إذ إن قلب الوالدة يزداد رقة وشفقة أمام ضنك الولد، ومهما يكن من شدة أمر الأميرال فإن تلك الأم لم تتمالك أن نهضت ووثبت إلى ابنتها تضمها إلى صدرها وتقول: لورانس، لورانس! حبيبتي لورانس! ...
فأشار الأميرال إلى الباب وقال لابنته: والآن اخرجي واذكري ذنبك لعلك تمتنعين عن المثول بحضرتي. فأجابته لورانس بلطف، قالت: إذا كان ذنبي يستحق عقابا فقد تولاه زوجي وكان أليما.
قال: ولو تولاه غير زوجك لكان أشد إيلاما، وما أعني إلا نفسي. فلو كنت زوجك لكان انتقامي أدهى وأنكى ولا أبالي أن تموتي يأسا وعارا.
قالت: نعم، كان في الإمكان أن أموت، ولكنني لم أسئ إليك يا أبي، بل كنت وما برحت الابنة الخاضعة المخلصة، ولو نظرت إلى إخلاصي لأوجبت على نفسك الرأفة بي!
صفحة غير معروفة