على التحصيل في أنفسهما، لزم أن يوجد ضرورة ذلك الذي منها صادق في نفسه على التحصيل، وألا يوجد الآخر ضرورة، إذ كان في نفسه كاذبا على التحصيل، فلا يكون شيء من الأشياء في نفسه وبطبيعته ممكنا، فترتفع الأشياء الارادية، والاختيار، والأفعال الكائنة عن الروية، وأخذ الأهبة في استعجال خير ينتظر ودفع شر يتوقع، وترتفع أيضا المواتاة التي في الأمور والصناعية لأن يكون الشيء بحال والا يكون، مثل تأتي الشمع لأن يلين. فإن هذا التأني في الشمع من نفس فطرته وطبعه لا في وقت من المستقبل دون وقت، بل بالإضافة إلى جميع الأوقات في المستقبل. وكذلك تأتي كل ذي صناعة لأن يفعل فعل تلك الصناعة ليس بالإضافة في المستقبل إلى وقت دون وقت، بل في كل وقت، مثل البناء والنجار والحائك والطبيب والفلاح وغيرهم. فإن صدق المتناقضات في الممكن على التحصيل، وكذبا على التحصيل، ارتفعت أيضا استعدادات الصنائع للأفعال الكائنة عنها، واستعدادات موضوعاتها لأن تقبل ما تفيها الصنائع، وترتفع أيضا استعدادات الأمور الطبيعية للشيء وضده، وأن لا يكون شيء أصلا قابلا لأي الضدين اتفق، وتكون الأشياء في وقت ما متعاصية ممتنعة على الله جل ثناؤه حتى لا يمكنه أن يغيرها من لا وجود إلى وجود، ومن وجود إلى وجود، في كل وقت، ولا في أي وقت أراد ذلك إن كان طباعها تجري عندهم مجرى ما تكون أوقات لا وجوده محدودة، حتى لا يتأخر بنفس طبيعته وجوده عن الوقت الذي فيه وجد، ويمتنع بطبيعته قبل ذلك من الوجود، على مثال ما يقال في الكسوفات. وهذه الأشياء كلها محالة وغير ممكنة وشنعة. فإذا المتناقضات في التي هي ممكنة في طبيعتها إنما تقتسم الصدق والكذب لا على التحصيل في أنفسها.
والضروري يقال باشتراك الاسم على ثلاثة أنحاء: أحدها الموجود الدائم الوجود الذي لم يزل ولا يزال، والثاني: الموجود في الموضوع مادام موضوعه موجودا، مثل الزرقة في العين والفطوسة في الأنف؛ والثالث: الموجود في موضوع والمركوز في موضوع مادام هو موجودا، أي مادام زيد قاعدا. وكذلك زيد الموجود مادام موجودا. والاضطراري الحقيقى هو الأول.
والمطلق أيضا يقال باشتراك الاسم على هذه المعاني الثلاثة
غير أن المطلق الحقيقي هو الذي يقال على المعنين الأخير، وهو المعنى الثاني والثالث، وهو بالجملة الموجود بالفعل مادام موجودا، أو مدام موضوعه موجودا.
والممكن أيضا يقال باشتراك الاسم على أربعة معان. فالثلاثة منها هي التي يقال عليها الاضطراري، والمطلق. والرابع من معاني الممكن هو ما كان غير موجود الآن، ويتهيأ في أي وقت اتفق من المستقبل أن يوجد، والا يوجد. غير أن الممكن الحقيقى هو المعنى الرابع من معانيه.
صفحة ١٤