بسم الله الرحمن الرحيم
القول في بارى ارمينياس وهو القول في العبارة
الألفاظ الدالة
منها مفردة تدل على معان مفردة، ومنها مركبة تدل أيضا على معان مفردة، ومنها مركبة تدل على معان مركبة.
فالألفاظ الدالة على المعاني المفردة ثلاثة أجناس
اسم، وكلمة، وأداة.
فالاسم لفظ دال على معنى مفرد
يمكن أن يفهم بنفسه وحده، من غير أن يدل ببنيته، لا بالعرض، على الزمان المحصل الذي فيه ذلك المعنى.
والكلمة لفظ مفرد دال على معنى
يمكن أن يفهم بنفسه وحده، ويدل ببنيته، لا بالعرض، على الزمان المحصل الذي فيه ذلك المعنى.
والزمان المحصل هو المحدود بالماضي، والحاضر، والمستقبل.
والأداة لفظ يدل على معنى مفرد
لا يمكن أن يفهم بنفسه وحده، دون أن يقرن باسم، أو كلمة، مثل: من ، وعلى، وما أشبه ذلك.
فهذه الأجناس الثلاثة تشترك في أن كل واحد منها دال على معنى مفرد.
وقيل في الاسم إنه لفظ لينتظم المركب والمفرد.
فالمركب مثل: قيس عيلان. وعبد شمس.
والمفرد مثل: زيد، وعمرو.
وكلا هذين يدل على معنى مفرد.
واشترط في الاسم والكلمة أن المعنى المدلول عليه بهما شأنه أن يفهم وحده، لأنهما به يباينان الأداة، ويشتركان فيه.
وذلك بعينه اشترط إيجابه في حد الكلمة.
واشترط في حد الكلمة أن تكون دالة على الزمان، لا بالعرض، لأن كثيرا من الناس يظن أن كل اسم يدل أيضا على زمان، إذ كان كل شيء عندهم في زمان، مثل: الإنسان، الحيوان، لتخرج عنها الأشياء التي هي في زمان بالعرض، وهي التي إذا فهمت معانيها لم ينجر معها في الذهن الزمان ضرورة، مثل: الإنسان، والحيوان. وهذه وإن كان كل واحد منها في زمان، فأسماؤها ليست تدل على أزمنتها بالذات، بل إن كان ولا بد فالبالعرض، والكلمة فليست بالعرض تدل على الزمان، بل بالذات، وباضطرار. فإن الزمان لا يفارق الكلمة أصلا.
واشترط فيها أن تكون دلالتها على الزمان ببنيتها لتخرج عنها الألفاظ الدالة على أصناف الحركة، مثل: المشى، والعدو. فإن معاني هذه - إذا فهمت - انجر الزمان معها في الذهن ضرورة، وليس الزمان مقترنا بها إلا بالعرض، إذ كانت لا يمكن أن تفارق الزمان. وهذه وإن كان الزمان غير مفارق لها، فليست ألفاظها هي التي تفهم الزمان ببنيتها واشكالها، ولكن يلزم الزمان عند وجودها على أنه من خارج. كما أن القيام والقعود، وإن كانا لا يوجدان إلا في الإنسان والحيوان، فليست هذه الألفاظ بأشكالها دالة على الإنسان والحيوان، بل إن كان ذلك، فالبعرض. ولو كانت تدل بذاتها على الزمان المقترن بها، لكانت كل لفظة دلت على شيء، وكان يقترن إلى المعنى المدلول نعليه بتلك اللفظة أشياء أخر غيره، لدلت اللفظة - مع دلالتها على ذلك المعنى - على تلك الأشياء الأخر المقترنة إليه، ولكان يلزم في كثير من الألفاظ أن تدل على أشياء بلا نهاية.
واشترط فيه أنه دال على زمان محصل، لتخرج عنها الألفاظ الدالة من الأسماء على أزمنة فيها غير محصلة، مثل: السرعة والإبطاء، فإنهما يدلان على زمان - إذ كانت ماهيات هذه بالزمان - لكنه زمان غير محصل بالماضي، والمستقبل، والحاضر ثم اشترط فيه قولنا: (الزمان الذي فيه ذلك المعنى) لتخرج عنها الألفاظ الدالة على الأزمنة المحصلة أنفسها، مثل: اليوم، وأمس، وغد. فإن كل واحد منها يدل على زمان بعينه محصل، لا على معنى في ذلك الزمان، ولا على زمان ذلك الزمان.
والكلمة أيضا مع دلالاتها على زمان المعنى، تدل على موضوعه من غير تصريح، وتشارك في ذلك الأسماء المشتقة، مثل: الضارب، والشجاع، والفصيح. وتدل الكلمة أيضا بذاتها على وجود المعنى لشيء، فلذلك تكتفي بأنفسها في ارتباطها بالموضوع في القضية، وليس ذلك لأجل ما في بنيتها من الدلالة على الموضوع من غير تصريح. ولو كان لأجل ذلك، لكانت الأسماء المشتقة مكتفية بأنفسها في ارتباطها بالموضوع في القضايا، ولما احتاجت إلى كلمة وجوديةن: إما مظهرة في اللفظ، أو مضمرة.
فمن ذلك يجب أن تكون الكلمة، مع مشاركتها للأسماء المشتقة في الدلالة على الموضوع، لما استغنت في القضية عما احتاجت إليه الأسماء المشتقة من الروابط، أنها بنفس ببنيتها تدل أيضا على ما تدل عليه الكلم الوجودية المقرونة بالأسماء المحمولة.
صفحة ١