أي فتى لا يتبع قلبه إلى أقاصي الأرض إذا ما كان له في أقاصي الأرض حبيبة، يستطيب نكهة أنفاسها، ويستلطف ملامس يديها، ويستعذب رنة صوتها؟
أي بشري لا يحرق نفسه بخورا أمام إله يسمع ابتهاله ويستجيب صلواته؟ •••
وقفت بالأمس على باب الهيكل أسأل العابرين عن خفايا الحب ومزاياه، فمر أمامي كهل مهزول القامة كاسف الوجه، وقال متأوها: «الحب ضعف فطري ورثناه عن الإنسان الأول.»
ومر فتى قوي الجسم مفتول الساعدين وقال مترنما: «الحب عزم يلازم كياننا، ويصل حاضرنا بماضي الأجيال ومستقبلها.»
ومرت امرأة كئيبة العينين وقالت متنهدة: «الحب سم قتال، تتنفسه الأفاعي السوداء المتقلبة في كهوف الجحيم، فيسيل منتشرا في الفضاء، ثم يهبط مغلفا بقطرات الندى، فترتشفه الأرواح الظامئة فتسكر دقيقة، ثم تصحوا عاما، ثم تموت دهرا.»
ومرت صبية موردة الوجنتين وقالت مبتسمة: «الحب كوثر تسكبه عرائس الفجر في الأرواح القوية، فيجعلها أن تتعالى متجمدة أمام كواكب الليل، وتسبح مترنمة أمام شمس النهار.»
ومر رجل ذو ملابس سوداء ولحيته مسترسلة وقال عابسا: «الحب جهالة عمياء تبتدئ ببدء الشباب وتنتهي بنهايته.»
ومر رجل ذو وجه صبوح وملامح منفرجة، وقال فرحا: «الحب معرفة علوية تنير بصائرنا، فنرى الأشياء كما يراها الآلهة.»
ومر أعمى يجس الأرض بعكازه وقال منتحبا: «الحب ضباب كثيف يكتنف النفس من كل ناحية ويحجب عنها رسوم الوجود ، ويجعلها أن لا ترى سوى أشباح أميالها مرتعشة بين الصخور، ولا تسمع صدى صراخها آتيا من خلايا الوادي.»
ومر شاب يحمل قيثارة وقال منغما: «الحب شعاع سحري، ينبثق من أعماق الذات الحساسة وينير جنباتها، فترى العالم موكبا سائرا في مروج خضراء، والحياة حلما جميلا منتصبا بين اليقظة واليقظة.»
صفحة غير معروفة