ورأيت الفضاء ينثر الثلوج على الحقول والأودية، ساترا بأكفانه البيضاء أجسام الزنابق الهامدة.
ورأيت القبور صفوفا منتصبة أمام سكينة الدهور، وليس بينها من يتمايل راقصا ولا من يجثو مصليا.
ورأيت رابية من الجماجم، وليس هناك من ضاحك سوى الريح.
في اليقظة رأيت الحزن والأسى، فأين ذهبت أفراح الحلم ومسراته؟
أنى توارت بهجة المنام؟ وكيف اضمحلت رسومه؟
وكيف تتجلد النفس حتى يعيد النوم أشباح أمانيها وآمالها؟
اصغ يا قلبي واسمعني متكلما. •••
كانت نفسي بالأمس شجرة قوية مسنة، تمتد عروقها إلى أعماق الأرض وتتعالى غصونها نحو اللانهاية.
ولقد أزهرت نفسي في الربيع وأثمرت في الصيف، ولما جاء الخريف جمعت أثمارها في أطباق من الفضة ووضعتها على قارعة الطريق، فكان العابرون يتناولون منها ويأكلون ثم يسيرون في سبيلهم.
ولما انقضى الخريف وتحولت تهاليله إلى الندب والولولة، نظرت فلم أر في أطباقي سوى ثمرة واحدة أبقاها الناس لي، فتناولتها وأكلت، فألفيتها مرة كالعلقم، حامضة كالحصرم. فقلت لنفسي: «ويحي، لقد وضعت في أفواه الناس لعنة، وفي أجوافهم عداء، فماذا ترى فعلت يا نفسي بالحلاوة التي امتصتها عروقك من أحشاء الأرض؟ وبالأريج الذي تشربته قضبانك من نور الشمس؟»
صفحة غير معروفة