بالسيف لن نخمد نيران الفتن
ففي هذا الرجز تحذير للإمام الجديد علي بن أبي طالب، فإن سار على نهج عثمان في سياسته فهي الحروب الدائمة والفتن المستمرة، فهذا دليل على أن المصريين لم يذهبوا في علي بن أبي طالب ما رواه الطبري عن ابن سبأ، وأن المصريين لم يقدسوا عليا أو يقولوا بوصايته. ثم إننا نرى المسلمين في مصر انقسموا بعد مقتل عثمان إلى فريقين: فريق يطالب بدم المقتول، وفريق يؤيد خلافة علي، وكانت مصر من الولايات التي خضعت للأمراء الذين أرسلهم علي، ولكن أنصار علي لم يكن لهم شأن كبير في الأحداث التي جرت، ولم يقيموا وزنا للنزاع بين علي ومعاوية؛ فقد سم الأشتر النخعي على حدود مصر، وقتل الوالي محمد بن أبي بكر الصديق، وأدخلت جثته في إهاب حمار، وأحرقت على مرأى من المصريين، فلم يحرك شيعته ساكنا، فلو كان التشيع في مصر قويا لأسهم الشيعة في النزاع بين علي ومعاوية، ولناصروا عليا، ونحن نتساءل أيضا: أين كان شيعة مصر عندما قتل علي وبعد مقتل الحسين؟ وأين كان شيعة مصر إبان حركة المختار الثقفي؟ هذه أسئلة لم يجب عنها المؤرخون، فالمصادر التي بين أيدينا لم تذكر شيئا عن قيام الشيعة بمصر في المساهمة في الحركات الشيعية التي كانت في الأقطار الأخرى، مما يجعلنا نذهب إلى أن الشيعة في مصر كانوا من الضعف لدرجة أنهم لم يؤثروا في الحياة السياسية والعقلية؛ ولذلك نعجب لقول المؤرخين الذين يزعمون أنه بعد أن تم الأمر للأمويين أصبح الجند وأهل شوكة مصر عثمانية وكثير من أهلها علوية،
2
والمقصود بالعثمانية أهل الكف الذين قالوا: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل. وإذا كان هذا موقف الشيعة في مصر من علي وابنه الحسين، فكيف نرى عددا من المصريين يخرج لمناصرة عبد الله بن الزبير في ثورته سنة 64ه ضد الأمويين، بل نرى ابن الزبير يرسل واليا من قبله على مصر هو عبد الرحمن بن جحدم الفهري وهو من الخوارج، وقد قدم مصر ومعه عدد كبير من الخوارج، فأظهروا بمصر التحكم ودعوا إليه،
3
ثم عادت الشوكة والقوة للعثمانية بعد فشل الزبيريين وعودة مصر لسلطان الأمويين، وكان الأمويون يظهرون في مصر سب علي بن أبي طالب دون خشية ثورة الشيعة، وذلك لضعف شأن الشيعة في مصر، ومع ذلك فقد روى المقريزي عن يزيد بن أبي حبيب المتوفى سنة 128ه أنه قال: نشأت بمصر وهي علوية، فقلبتها عثمانية.
4
فإن صح هذا القول عن يزيد، فإنما يدل على أن بعض المصريين كانوا يتحدثون عن فضائل علي، وأن يزيد استطاع أن يصرف الناس عن ذلك، ويجعلهم يميلون إلى رأي أهل الكف والمسائل الفقهية، ولا نستطيع أن نقول إن المصريين شغلوا بالآراء الشيعية التي شغلت شيعة العراق وفارس؛ فإننا نستطيع أن نمر بالعصر الأموي في مصر دون أن نسمع شيئا عن الشيعة بمصر، ومن يدري لعله كان بمصر شيعة هواهم مع أبناء علي وقلوبهم مع أهل البيت، ولكن سيوفهم كانت مع بني أمية، وأغفلت كتب التاريخ الحديث عنهم فأصبحنا لا ندري شيئا عن نشاط الشيعة في مصر في هذا العصر الأموي، ولا عن العقائد التي دانوا بها إلا ما قيل عن قصة فرار مروان بن محمد إلى مصر من وجه المسودة؛ فقد وجد الدعوة الجديدة سبقته إلى مصر، ووجدت بين المصريين قبولا، وقد ذكر الكندي أسماء زعماء هذه الحركة بمصر؛ ففي الحوف الشرقي كان أول من لبس السواد شرحبيل بن مذيلفة الكلبي، وفي الإسكندرية كان الأسود بن نافع، وبالصعيد عبد الأعلى بن سعيد الجيشاني، وبأسوان يحيى بن مسلم.
5
ونحن نعلم أن دعوة المسودة في أول أمرها كانت للرضا من أهل البيت، وتوهم الشيعة في جميع الأقطار الإسلامية أن الدعوة لهم فاستجابوا لها، ونشطوا مع القائمين بها، فلعل هؤلاء الذين دعوا للمسودة في مصر كانوا من الشيعة، وتوهموا ما وهمه غيرهم، فإن صح ذلك فتكون هذه أول حركة شيعية في مصر علمنا بها.
صفحة غير معروفة