والدعوة الفاطمية دعوة شيعية، وقبل أن نتحدث عنها وعن أثرها في مصر نتساءل: إلى أي حد عرفت مصر التشيع قبل دخول الفاطميين بها؟
كان المسلمون في مصر بعد الفتح العربي يجمعون على مذهب واحد، ويخضعون لإمام واحد، فلم نعرف أنه كان بين العرب الوافدين من خالف في مسألة الإمامة، أو تحدث عن تفضيل خليفة على آخر، ولكن بدأ المسلمون في عهد عثمان بن عفان يتحدثون عن سياسته وتصرفاته، فانتهز بعض المسلمين في مصر هذه الفرصة ودعوا لخلعه، ويروي الطبري قصة عجيبة عن ثورة المصريين ضد عثمان، وأن ذلك كان بتأثير عبد الله بن سبأ!
يقول الطبري: «كان عبد الله بن سبأ يهوديا من أهل صنعاء، أمه سوداء، فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم؛ فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما قال: لعجب من يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمدا يرجع، وقد قال الله - عز وجل:
إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد
فمحمد أحق بالرجوع من عيسى، فقبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها، ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصي، وكان علي وصي النبي. ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء ... إلخ.»
1
وهكذا ساق الطبري هذه الرواية بين روايات عديدة عن سبب قيام المصريين ضد عثمان، ونحن نعجب لهذه الرواية؛ إذ لم أجد في كتب التاريخ التي وضعها المصريون عن بلدهم وعن تراجم رجال مصر، مثل كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم، وكتب الكندي وابن الداية وابن زولاق، أو في كتب المتأخرين الذين نقلوا عن هؤلاء المؤرخين القدماء ما يشير إلى وفود شخصية عبد الله بن سبأ على مصر، أو أن أحدا من المصريين قال بمثل هذه المقالة التي زعم الطبري أن ابن سبأ علمها للمصريين، فلو صحت رواية الطبري لرأينا شيئا من إنكار الصحابة الذين كانوا في مصر إذ ذاك لهذه الدعوة السبئية، ومعارضتهم لها، ولا سيما أن ابن عبد الحكم وغيره رووا بعض الأحاديث عن صحابة مصر وترجموا لهم، ولم يرد ذكر ابن سبأ ولا آرائه، ولم يذكروا شيئا عن إنكار هذه الآراء أو معارضتها، فقصة ابن سبأ في مصر، وأنه بث آراء التشيع بين المصريين هي أقرب إلى الخرافات منها إلى أي شيء آخر.
حقيقة ثار بعض المصريين على عثمان، وقام محمد بن أبي حذيفة بانتزاع الإمارة في مصر، وطرد عامل عثمان من الفسطاط سنة 35ه، وزج بعدد من شيعة عثمان في السجون، ولكن ليس معنى ذلك أن ابن سبأ هو الذي أثر على الناس وألبهم على عثمان، إنما كان ذلك بتدبير بعض أبناء الصحابة الذين كرهوا أن يكون أمير مصر هو عبد الله بن أبي سرح أخو عثمان في الرضاعة، وكبر في نفوسهم أن يعزل عمرو بن العاص عن مصر، فلم تكن ثورة المصريين ضد عثمان تمت بسبب إلى تشيع المصريين إلى علي بن أبي طالب أو المطالبة بإمامته، وعلى الرغم من أن المصريين هم الذين بايعوا عليا بالخلافة بعد مقتل عثمان، فإن ذلك لم يكن عن حب خالص له أو عن عقيدة بأنه أحق الناس بها، فالمفاوضات التي كانت قبل مبايعته تدل على أنهم نظروا إلى علي بن أبي طالب نظرتهم إلى غيره من الصحابة، أضف إلى ذلك أن المصريين بعد أن بايعوا عليا عادوا إلى الفسطاط وهم يرجزون:
خذها إليك واحذرن أبا الحسن
إنا نمر الحرب إمرار الرسن
صفحة غير معروفة