ثم خطب في سراي بعبدا رئيس الوفد اللبناني الأول داود عمون مفصحا عما كانت نتيجة مسعاهم في باريس، فقال: «إن بين لبنان وسوريا علاقات تجارية، وصلات متينة، تستوجب ألا يفصل الشقيق عن شقيقه؛ فاجتمعت كلمتنا، كلمة الوفد، على وجوب انضمام الاثنين تحت مراقبة واحدة.»
فجاء كلامه ضغثا على إبالة. قال زعماء العرب: إن الحكومة الفرنسية تروم احتلال سوريا بوساطة أصدقائها اللبنانيين. واتفق أن يوم خطب عمون خطبته عقد اجتماع في دمشق احتجاجا على تصريح بيشون، فعقبت عليه المدن السورية الأخرى، وحدثت أثناء هذه التظاهرات في 28 شباط سنة 1919 مذبحة الأرمن في حلب.
لا حاجة ولا مجال ها هنا للنظر في تلك الحادثة المحزنة، بيد أنه من المؤكد أن لو كان في المدينة حكومة متيقظة منظمة، عربية كانت أو بريطانية أو فرنسية، لما كان عتو الأرمن يحمل بعض العرب المسلمين على المفاداة بسمعتهم الطيبة، خصوصا بعدما كان من إحسان الأمير فيصل وجنوده إلى منكوبي الأرمن في الكرك.
لجنة الاستفتاء الأميركية
كان الأمير محترما مكرما في مؤتمر فرساي، وكان كذلك الرئيس ولسون، ولكن السياسة الدولية لا ترعى آداب الاجتماع ولا تهمها فروض التكريم، فلا تملك نظريات المصلحين وأماني الوطنيين من مصالح الأمم. قد سقت ولسون، تلك السياسة، الخل والمر بعد أن شاركت صامتة في إكرامه ذلك الإكرام الفريد المجيد، وكانت أرفق حالا بفيصل، وكيف لا وقد عرض أحد أساطينها في تلك الأيام على الأمير العربي بعض بنود فيها تضمن فرنسا استقلال سوريا تحت إمارته وبمشاركتها في بعض الأمور الاختصاصية والاقتصادية، وتضمن كذلك استقلالا نوعيا للبنان إلى أن يتم الاتفاق بينه وبين سوريا.
ولكن الأمير رفض ما عرضه الوزير الفرنسي المسيو كليمنصو، وعاد إلى سوريا ليستشير - كما قال - الأمة. سافر الأمير إلى فرنسا على المدرعة البريطانية «غلاستر» وفي معيته الكرنل لورنس
1
وعاد إلى بيروت على المدرعة الفرنسية «إدغار كينه» وفي معيته الكولونل تولا.
2
أمتان تتباريان في إكرامه، أمتان تتسارعان إلى خطب وداده، أمتان تسعيان في تعزيز سياستهما في سوريا والبلاد العربية عن طريقه.
صفحة غير معروفة