وأما فاوست فلها قصة لم أدرك أهميتها إلا بعد أن تعمقت في دراسة نظريات الترجمة الحديثة، ووجدت في هذه النظريات ما يؤيد الترجمة بالإعداد والاقتباس (أو ما نسميه «التطويع» بالمصطلح العلمي
adaptation ) واستندت إلى ما جاءت به سوزان باسنيت وأندريه ليفيفير وغيرهما من أقطاب نظرية الترجمة في ضوء الاختلاف الثقافي (انظر كتابهما بناء الثقافات 1998) أي إنني استندت إلى حق مترجم الأدب في إخراج صورة أو صور له ليست «متطابقة» معه، حتى يبرز ما يراه فيه من وجهة نظر عصره أو ثقافته، أو حتى من وجهة نظره الشخصية.
وكان قد سبق لي إعداد نص غنائي بالعربية عن مسرحية روميو وجوليت، لشيكسبير، وقدم على المسرح بألحان (وموسيقى) من وضع جمال سلامة عام 1985، وطبع بعد ذلك في طبعة خاصة، كتب عنها بعض الباحثين دراسات علمية (عبير الأنور، ماجستير) لكنني كنت في أعماقي قلقا على التجربة، وكنت مثل غيري من العرب أنفر من أي تعديل في النص الأصلي (كأنما هو نص مقدس) ثم ازدادت خبرتي بمناهج الترجمة الأدبية في العالم، وازدادت معها نظرتي نضجا وحداثة؛ ولذلك لم أتردد حينما طلب مني المخرج النابه انتصار عبد الفتاح إعداد نص غنائي عن مسرحية الملك لير في عام 1995، فقدمت له ما أراد وقدمه على المسرح في العام نفسه، قبل أن أترجم المسرحية كاملة وأنشرها في العام التالي. كان قد أطلق على الإعداد الموسيقي اسم سيمفونية لير، وشجعه النجاح على أن يقدم فاوست بعدها، مدفوعا بإلحاح مخرج آخر يدعى هاني غانم (يقيم في ألمانيا)؛ ومن ثم بدأنا التخطيط للإعداد من وجهة نظرهما، وكانا يريدان «كلمات قليلة وموسيقى كثيرة»، ولكنني كنت أصر على تقديم جوهر المسرحية الألمانية، وهو ما وجدته فيما يسمى
Urfaust
أي فاوست الأصلية التي كتبها الشاعر عام 1772-1775 وإن ظل المخطوط مجهولا حتى عام 1887، وكان نشره قد ألقى أضواء جديدة ومثيرة على المسرحية.
وأسعدني الحظ بأن عثرت على خمس ترجمات إنجليزية للمسرحية، أحدثها ترجمة ديفيد لوك
Luke
الصادرة عام 1988، وهي التي فازت بالجائزة الأوروبية لأفضل عمل شعري مترجم، وقال عنها الشاعر الإنجليزي ستيفن سبندر
Spender : «أخيرا! ترجمة لرائعة جوته تعتبر عملا أدبيا رائعا بالإنجليزية. إذ إن ديفيد لوك ينقل المعنى، والدفقة الذهنية، ورشاقة الأسلوب البايرونية للنص الأصلي. هذه الترجمة من عمل شاعر وباحث علمي في الوقت نفسه.» (مجلة ذا سبكتاتور 1989). وقد أجريت مقارنات بين هذه الترجمة وغيرها، وكلها شعرية، فلم أجد فروقا تذكر، أقصد فيما نسميه «المعنى»، ومع ذلك فقد كان اختلاف الصياغة بينها يبين كيف يفسر كل مترجم نص الشاعر، وتفاوت التفسيرات وإن كان طفيفا له دلالته، ومن ثم فإنني وضعتها أمامي جميعا وجعلت أرجع إليها بانتظام أثناء القراءة التمهيدية، وأذكر أنني قضيت وقتا طويلا في المقارنة حتى انتهيت إلى ما يشبه الرؤية «الحقيقية» لنص جوته الأصلي، كما انتهيت إلى أن ترجمة لوك تمثل المركز الذي تدور حوله الترجمات الأخرى قربا وبعدا، فأما أبعدها عنه فهي ترجمة فيليب وين
Wayne
صفحة غير معروفة