219

الفتح المبين بشرح الأربعين

الناشر

دار المنهاج

الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٨ م

مكان النشر

جدة - المملكة العربية السعودية

تصانيف

ومن ثَمَّ استجاز كثيرًا منه الصحابةُ رضوان اللَّه تعالى عليهم (١)، كما وقع لأبي بكر وعمر وزيد بن ثابت رضي اللَّه تعالى عنهم في جمع القرآن؛ فإن عمر أشار به على أبي بكر؛ خوفًا من اندراس القرآن بموت الصحابة رضي اللَّه تعالى عنهم لمَّا كثر فيهم القتلُ يوم اليمامة وغيره، فتوقَّف لكونه صورةَ بدعة، ثم شرح اللَّه صدره لفعله؛ لأنه ظهر له أنه يرجع إلى الدين، وأنه غير خارجٍ عنه، ومن ثَمَّ لمَّا دعا زيد بن ثابت وأمره بالجمع. . قال له: (كيف تفعل شيئًا لم يفعله رسول اللَّه ﷺ؟!) فقال: (واللَّه إنه حقٌّ) ولم يزل يراجعه حتى شرح اللَّه صدره للذي شرح له صدرهما (٢).
وكما وقع لعمر رضي اللَّه تعالى عنه في جمع الناس لصلاة التراويح في المسجد، مع تركه ﷺ لذلك بعد أن كان فعله لياليَ؛ وقال -أعني عمرَ ﵁: (نعمت البدعة هي) (٣) أي: لأنها وإن أُحدثت ليس فيها رَدٌّ لِمَا مضى، بل موافقةٌ له؛ لأنه ﷺ علَّل الترك بخشية الافتراض، وقد زال ذلك بوفاته ﷺ.
وقال الشافعي ﵁: (ما أُحدث وخالف كتابًا أو سنةً أو إجماعًا أو أثرًا. . فهو البدعة الضَّالة، وما أُحدث من الخير ولم يخالف شيئًا من ذلك. . فهو البدعة المحمودة) (٤).
والحاصل: أن البدع الحسنة متفقٌ على ندبها؛ وهي: ما وافق شيئًا ممَّا مرَّ ولم

(١) وأعلم: أن البدعة تعتريها الأحكام الخمسة؛ فتارة تكون واجبة كضبط المصاحف والشرائع إذا خيف عليها الضياع، وتارة تكون محرمة كالمكوس وسائر المحدثات المنافية للقواعد الشرعية، وتارة تكون مندوبة كصلاة التراويح جماعة؛ ولذلك قال سيدنا عمر ﵁ في التراويح: (نعمت البدعة هي)، وتارة تكون مكروهة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف، وتارة تكون مباحة كاتخاذ المناخل للدقيق؛ ففي الآثار: (أن أول شيءٍ أحدثه الناس بعد رسول اللَّه ﷺ اتخاذ المناخل) وإنما كانت مباحة؛ لأن لين العيش وإصلاحه من المباحات، فوسائله مباحة. اهـ "تحفة المريد" (ص ٣٤٣)
(٢) أخرجه البخاري (٤٩٨٦)، وابن حبان (٤٥٠٦)، والترمذي (٣١٠٣) عن سيدنا زيد بن ثابت ﵁.
(٣) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ١١٤)، والبيهقي في "السنن الصغير" (٨١٦).
(٤) انظر "المدخل إلى السنن الكبرى" للبيهقي (٢٥٣).

1 / 223