فتح الباري شرح صحيح البخاري

ابن رجب الحنبلي ت. 795 هجري
57

فتح الباري شرح صحيح البخاري

محقق

مجموعة من المحقيقين

الناشر

مكتبة الغرباء الأثرية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤١٧ هجري

مكان النشر

المدينة النبوية

الأعظم، فهو مختار له من وجه دون وجه، وهذا بخلاف فعل المؤمن الطاعات خوفا من الله، فإنه ليس فعله كفعل (١٨٦ - أ / ف) المكره، لأن المؤمن يجب عليه أن يأتي بالطاعة خوفا من عقاب الله ورجاء لثوابه وحبا له، فبذلك يفارق حال المكره. ومن هنا تظهر المسألة التي تفر منها الفقهاء وهي: إذا قال رجل لامرأته: إن كنت تحبيني (١) أن يعذبك الله بالنار فأنت طالق، فقالت: أنا أحبه، فقال كثير منهم من أصحابنا وغيرهم: إنها تطلق لأنها قد تختار ذلك وتحبه افتداء به من معاشرة زوجها لشدة بغضها له وجهلا منها بتصور عذاب جهنم فتكون صادقة فيما أخبرت به. ومن هذا: الحديث الذي فيه أن الكافر يقول من شدة ما يجد في الموقف يوم القيامة: رب أرحني حتى ولو إلى النار. فظهر بهذا: أن من خير بين مكروهين فاختار أخفهما دفعا لأعظمهما أنه يكون محبا لما اختاره مختارا له من وجه دون وجه. وأما ما يقتضيه لفظ الحديث من كونه محبا للآخر: فهذا - أولا - غير لازم على قول الكوفيين الذين لا يرون أن " أفعل " التفضيل يلزم منه المشاركة مطلقا، فيجوز عندهم أن يقال: الثلج أبرد من النار، وأما على قول البصريين فإنه قد ورد في كثير من نصوص الكتاب والسنة ما تمتنع فيه المشاركة وتأولوا فيه " أفعل " بـ " فاعل " فكذلك تتأول هنا. ومما بقي مما يتعلق بلفظ هذا الحديث: أن قوله ﷺ: " أن يكون الله

(١) كذا، والصواب الموافق للسياق " تحبي ".

1 / 61