فصل المقال في شرح كتاب الأمثال
محقق
إحسان عباس
الناشر
مؤسسة الرسالة
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٩٧١ م
مكان النشر
بيروت -لبنان
وإنما يصلح وضع هذا المثل في الباب الذي أدخله فيه على تفسير آخر لم يذكره أبو عبيد، وهو أن المحتطب ليلًا يجمع بين شخت الحطب وجزله ويابسه ورطبه لا يختار، لظلام الليل، وكذلك هذا المكثر يجمع بين غث الكلام وسمينه، وجيده ورديئه، فأما قولهم:
أيا موقدًا نارًا لغيرك ضوءها ... ويا حاطبًا في حبل غير تحطب فإن معناه أن حاطب الليل أيضًا يضع حبله ويحتطب ويأتي بما يجتمع له، ليضعه على الحبل، فربما وضعه على غير الحبل لظلام الليل، فإذا رأى أنه قد اكتفى، عمد إلى طرفي الحبل ليشده على الحطب فلم يجد فيه شيئًا أو وجد فيه بعض ما احتطب، فيأتي غيره نهارًا فيجد حطبه مجموعًا، فكأن احتطابه إنما كان في حبل ذلك الواجد لحطبه.
قال أبو عبيد: ويروى في الحديث عن لقمان أنه قال: " الصمت حكم وقليل فاعله ".
ع: روي أن داود ﵇ كان يسرد درعًا ولقمان عنده فقال: ما هذا يا نبي الله؟ فسكت عنه حتى إذا فرغ داود من سردها لبسها فعند ذلك قال لقمان " الصمت حكم وقليل فاعله "، والسرد: سمر حلق الدرع، قال الله تعالى ﴿وقدر في السرد﴾ (سبأ: ١١) أي لا تجعل المسمار دقيقًا فيقلق (١)، ولا غليظًا فيقصم الحلقة.
قال أبو عبيد: وقال علقمة بن علاثة الجعفري (٢) وكان من حكماء العرب:
_________
(١) س: رقيقًا فيقلق؛ ط: فيعلق.
(٢) من حكام الجاهلية وصاحب المنافرة المشهورة مع عامر بن الطفيل، انظر الإصابة: ٥٦٦٩ والخزانة ٣: ٤٩٢ والأغاني ١٥: ٥٠.
1 / 30