وفي 14 يوليه أبرق سيمور إلى حكومته يقول: «لقد احتلت رأس التين ووضعنا فيها بحارة ومدفعية كما وضعنا ست بطاريات تواجهها. لا تزال الإسكندرية تحترق، ولكني أرفع الأنقاض من الشوارع، والخديو سالم في قصره يحرسه 700 من البحارة». ومعنى ذلك أن الخديو أصبح نهائيا تحت حماية الإنجليز، ولم يعد يبالي بالسلطان ولا بمندوب السلطان.
وتوالى نزول الإنجليز إلى المدينة يوم 15 يوليه توطئة لاحتلال البلاد، وإذا كان الإنجليز قد ضربوا قلاع الشواطئ؛ لأنها كانت تهدد سفنهم كما زعموا، ففيم نزولهم بعد ذلك إلى المدينة؟
الأمة تقاوم الاحتلال
انسحبت حامية الإسكندرية لتتخذ مكانا حصينا؛ وذلك لإقامة خطوط للدفاع عن داخل البلاد، وقد اختارت جهة كفر الدوار موطنا لهذا الدفاع.
وهكذا ينتقل تاريخ الثورة القومية إلى طور جديد، هو الحرب بين هذه الثورة وبين الطامعين المستعمرين من الإنجليز.
ولم يكن أمام مصر في الواقع إلا أن تختار إحدى سبيلين: التسليم طائعة مختارة للإنجليز ليقضوا على نهضتها القومية الحرة، أو الحرب التي تبذل فيها الأنفس والأموال والتي تتنهي إما إلى نصر يتحقق به كل شيء، وإما إلى هزيمة تذهب بكل شيء إلا الشرف والكرامة.
وقد اختارت مصر السبيل الثانية تحت زعامة عرابي، وتركت للخديو السبيل الأولى. وما كان لعرابي وأصحابه أن يفعلوا غير ما فعلوا، وإلا فقد كانت حركتهم إذن من أول الأمر هزوا ولعبا .
تنكر راغب باشا رئيس الوزراء كما تنكر الخديو للحركة القومية، فأرسل في 17 يوليه إلى سيمور يقول: «لي الشرف أن أعلن لحضرتكم أن عرابي يشتغل الآن بإعداد وسائل الدفاع، وذلك مخافة لأوامر الجناب الخديوي، وقد صدر له الأمر بالكف عن هذه التجهيزات، فكونوا إذن على علم بأن الجناب الخديوي عزم على عزله من وظيفته فهو لذلك وحده المسئول عما يحدث، فأرجوكم أن تعلنوا مآل هذه الرسالة إلى حكومة جلالة الملكة».
وأرسل توفيق إلى عرابي بكفر الدوار يدعوه إلى الإسكندرية، ومن عجيب أمر توفيق الذي وافق بالأمس على أن ترد الحصون على السفن إذا ضربت المدينة، أنه يقول في رسالته هذه إن ضرب المدينة «إنما كان السبب فيه استمرار الأعمال التي كانت جارية بالطوابي، وتركيب المدافع التي كلما كان يصير الاستفهام عنها كان يصير إخفاؤها وإنكارها».
وكانت دعوة عرابي إلى الإسكندرية خدعة للقبض عليه. أرسل كارتريت في 15 يوليه إلى حكومته برقية جاء فيها: «أبرق عرابي باشا هذا الصباح من كفر الدوار إلى الخديو يقول إنه سوف يسر سموه أن يعلم أن الرديف قادمون؛ ليعينوه في محاربة الإنجليز وأجاب الخديو بدعوته إلى هنا. إذا حضر فسيقبض عليه وإذا رفض فسيعلن عصيانه وخروجه على القانون».
صفحة غير معروفة