هوامش
الفصل الثاني
إسلام عمر
المشهور أن عمر بن الخطاب أسلم بعد خمسة وأربعين رجلا وإحدى وعشرين امرأة، وتزيد روايات في هذا العدد وتنقص أخرى منه، وقد لاحظ ابن كثير في «البداية والنهاية» أن عمر أسلم بعد هجرة المسلمين إلى الحبشة، وأن عدد الذين هاجروا إليها قارب التسعين بين رجال ونساء، وأن عمر ذهب بعد هجرتهم يريد محمدا وأصحابه والمسلمين بدار الأرقم عند الصفا فكانوا أربعين رجالا ونساء، أنت إذن في حل من القول بأن الذين سبقوا عمر إلى الإسلام يقرب عددهم من ثلاثين ومائة، وإن تعذر عليك أن تصل من ضبط العدد إلى أكثر من هذا التقريب المخالف للمشهور.
أما الروايات في سبب إسلامه فتختلف، وأشهرها أن عمر ضاق ذرعا بما فرقت دعوة محمد من كلمة قريش، وما حملته وأمثاله على إيذاء من أسلموا ليفتنوهم عن دينهم، ويردوهم إلى دين قومهم، فلما أشار محمد على أصحابه أن يتفرقوا في الأرض فرارا إلى الله بدينهم، ونصح لهم أن يذهبوا إلى أرض الحبشة، ورآهم عمر يترحلون، رق لهم وشعر بالوحشة لفراقهم. روي عن أم عبد الله بنت أبي حثمة أنها قالت: «والله إنا لنترحل إلى أرض الحبش إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه، وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا، وقف وقال: إنه للانطلاق يا أم عبد الله؟ قلت: نعم والله! لنخرجن في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله مخرجا، فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم انصرف وقد أحزنه، فيما أرى، خروجنا.» وعاد زوجها، فذكرت له هذا الحديث الذي دار بينها وبين عمر وأنها طمعت في إسلامه، فقال لها: لا يسلم هذا حتى يسلم حمار الخطاب.
وتجري الرواية بأن عمر حزن لترحل بني قومه عن وطنهم، بعد أن عذبوا وأوذوا، وجعل يفكر في الوسيلة التي تنقذهم مما هم فيه، فرأى أن هذا الأمر لا ينجح فيه إلا علاج حاسم، هنالك عزم أن يقتل محمدا؛ فليس إلى اجتماع كلمة قريش مع بقائه بينها سبيل، فغدا يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله ورهطا من أصحابه ذكر له أنهم اجتمعوا بدار الأرقم عند الصفا، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء، وفيما هو في طريقه لقيه نعيم بن عبد الله فقال له: أين تريد؟ قال: أريد محمدا، هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش، وسفه أخلاقها، وعاب دينها وسب آلهتها، فأقتله، قال نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم! قال عمر: وأي أهل بيتي؟ فأجابه صاحبه: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله أسلما وتابعا محمدا على دينه، فعليك بهما.
فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه، وكان عندهما خباب بن الأرت ومعه صحيفة يقرئهما فيها سورة «طه»: فلما سمعوا حس عمر اختفى خباب في مخدع لهم وأخفت فاطمة الصحيفة، ودنا عمر من البيت، وسمع قراءة خباب فقال حين دخل: ما هذه الهينمة التي سمعت؟ قالت فاطمة: ما سمعت شيئا، قال: بلى والله، لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه، وبطش بسعيد بن زيد، فقامت فاطمة لتكفه عن زوجها فضربها فشجها، فلما فعل ذلك قالا له: نعم، قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك! فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، فارعوى وقال لأخته: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد، وأجابته أخته: إنا نخشاك عليها: قال: لا تخافي، وحلف لها بآلهته ليردنها إليها متى أتم قراءتها، وأعطته فاطمة الصحيفة، فلما قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع خباب عبارته خرج من مخبئه وقال له: يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه، فإني سمعته أمس وهو يقول: اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب، فالله الله يا عمر! عند ذلك قال عمر له: فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم، فقال له خباب: هو في بيت عند الصفا في نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، وسار حتى ضرب الباب على رسول الله وأصحابه، وسمع القوم صوته ونظر أحدهم من خلل الباب فرآه متوشحا السيف، فرجع فزعا يقول: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف، قال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه، وقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ائذن له، فأذن له الرجل، ونهض إليه رسول الله حتى لقيه في الحجرة، فأخذ بمجمع ردائه، ثم جبذه به جبذة شديدة، وقال له: ما جاء بك يا بن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة! فقال عمر: يا رسول الله جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله؛ فكبر رسول الله تكبيرة عرف منها أصحابه أن عمر قد أسلم.
هذه أشهر الروايات في إسلام عمر، وثم روايات أخرى، من أشهرها ما أسند إلى عمر نفسه أنه كان يقول: «كنت للإسلام مباعدا، وكنت صاحب خمر في الجاهلية، أحبها وأشربها، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش، فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم، فلم أجد فيه منهم أحدا، فقلت: لو أني جئت فلانا الخمار، وكان بمكة يبيع الخمر، لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها، فخرجت إليه فلم أجده، فقلت: لو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين! فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة، فإذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم
صفحة غير معروفة