هي مجموع القواعد الأدبية التي تنظم سلوك الناس، بمعنى أن الإنسان العاقل المختار في إرادته يجب أن يشكل سلوكه على ضوئها في ظروف الحياة المتنوعة، وبهذا نصل جميعا للمثل الأعلى للحياة الأخلاقية الكاملة.
والقوانين الأخلاقية ثابتة لا تتغير وإن تفاوتت الضمائر البشرية قليلا أو كثيرا في فهم معانيها أو تطبيقها بتأثير الزمن أو الملابسات المختلفة، فما كان خيرا في الماضي هو خير في نفسه في الحاضر وفي المستقبل أيضا، كالصدق والشجاعة والأمانة والمحافظة على الحياة مثلا. وهي مطلقة لا تقبل استثناء، فلا تتعلق بشرط ولا مفر لأحد منها؛ إذ تفرض نفسها بوساطة الضمير على الناس جميعا، وهي واضحة يفهمها الجميع على السواء، العالم والجاهل والبدوي والحضري؛ لأن الضمير يقرها لهم جميعا، وإن اختلفت أنظارهم في بعض الجزئيات. وقد تقدم لهذا زيادة بسط وإيضاح.
ومن خواص القوانين الأخلاقية أيضا أنها إلزامية يلتزم المرء طاعتها بدون إجبار من قوة خارجة عنها، وأنها من الممكن أن تكون عملية في كل الأحوال؛ لأن الإنسان العاقل يستطيع دائما تمييز الخير من الشر، ويريد طبعا من نفسه أن يكون خيرا في أعماله لا شريرا، وإنما كانت هكذا لأن من شرط الإلزام الإمكان، وإن أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع. (8-6) الفروق بين هذه القوانين
بمراجعة أنواع القوانين التي ذكرناها، ومميزات وخصائص كل منها، يستطاع تبين الفروق بينها، إلا أنه يهمنا إيضاح الفروق التي بين القوانين الوضعية والأخلاقية؛ لأن القوانين الطبيعية ليست كما قدمنا محل بحث علم الأخلاق، وإنما هي موضع عناية دارس العلوم الطبيعية، ولأن الفرق بين القوانين الإلهية والقوانين الأخلاقية لا يكاد يذكر، فإن استمدادها في جملتها وتفصيلها من الدين وما جاء به من تشريع عادل حكيم. (أ) الفرق بين القوانين الأخلاقية والوضعية
بين هذه النوعين من القوانين فروق متعددة يمكن إجمالها فيما يأتي: (1)
القوانين الوضعية من وضع الإنسان الذي راعى الظروف والأحوال المختلفة حين وضعها، أما القوانين الأخلاقية فمن وضع الضمير. (2)
لهذا كانت الأولى عرضة للتغيير والتبديل برقي الأمة وتقدمها أو تأخرها وانحطاطها، بخلاف الأخرى التي لا تتغير بحال وإن تغيرت آراء الناس فيها وأحكامهم على نتائجها، فعندنا مثلا مبدأ المحافظة على الحياة يقدسه كل فرد وإن أباح البعض قديما قتل الأسرى لضرورة حربية، ووأد البنات لأسباب اجتماعية تبرره في رأيه، مع وجود من كان ينكر هذه العادة في تلك الأزمان أشد الإنكار؛ ولهذا روى لنا المؤرخون أنه كان هناك من أشراف تميم في الجاهلية من مقت الوأد وعابه، فكان يشتري الموءودات من ذويهم بما يذهب الفقر، وممن عرف ذلك عنه غالب بن صعصعة جد الفرزدق الشاعر المعروف. (3)
وقد يظهر بالتطبيق عدم صلاحية القانون الوضعي، إما لجهل واضعه بشئون الأمة التي يشرع لها، أو لمحض الزمن واختلاف الحال. أما القانون الأخلاقي فلا يكون إلا صالحا دائما متى ثبت أنه أخلاقي. (4)
القانون الوضعي لا يثيب المطيع وإنما يؤاخذ العاصي المتمرد عليه، كما لا يؤاخذ إلا على نتائج الأعمال دون نظر لبواعثها. أما الأخلاقي فينظر إلى الأعمال والباعث عليها، ويثيب الطائع بالرضاء النفسي والهدوء وطمأنينة القلب والاحترام، كما يعاقب العاصي بالتأنيب الداخلي والاحتقار. (5)
القانون الوضعي يحتاج لقوة خارجة لتنفيذه تأخذ الخارج عليه؛ من شرطة ونيابة وقضاة. أما الأخلاقي فقوته التنفيذية هي الضمير وحده، وهو كما علمنا تلك القوة الداخلية والباطنية. (6)
صفحة غير معروفة