ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى .
وذلك يشمل القوانين التي يتعرفها العقل بالمشاهدة الصادقة والتجربة المطردة، كقانون الجاذبية، والمد والجزر، وتمدد الأجسام بالحرارة، وتجمد الماء إذا انخفضت حرارته إلى ما تحت الصفر، وذوبان الثلج إذا ارتفعت الحرارة إلى درجة الصفر أو ما فوقها، كما يشمل أيضا القوانين التي وصل إليها العقل بالفكر والنظر دون حاجة لتجربة أو مشاهدة؛ ولذلك أجمع الناس على القول بصحتها، مثل قوانين الحساب التي يقول بعضها: «الكميتان المساويتان لكمية ثالثة تكونان متساويتين»، وقوانين المنطق التي منها قانون التناقض القائل باستحالة اتصاف الشيء الواحد بصفة ونقيضها.
ومما تتميز به القوانين الطبيعية أنها ثابتة لا تتغير، وأنها عامة لا تقبل الاستثناء، وأنها نافذة على من عرفها ومن جهلها، وأنها تكشف لنا عن الواقع لا غير، لا عما ينبغي أن يكون.
هي ثابتة لا تتغير وإن تغير علم الناس بها، فالأرض منذ خلقها الله - تعالى - تدور حول الشمس، وإن اعتقد الناس حقبة من الزمن أن الشمس هي التي تدور حولها. وهي لا تقبل استثناء مطلقا، فليس في مقدور إنسان أن يمنع الماء من الغليان إذا وصل لدرجة المئة فوق الصفر، كما أنه ليس من الممكن منع النار من إحراق ما تتصل به من الأشياء. وهي نافذة على الصغير والكبير والعالم والجاهل، فالكهرباء تصعق من يلمسها وإن لم يعرف لها هذه الخاصة.
وعلم الأخلاق لا حاجة له ببحث هذه القوانين، وإنما الواجب على الإنسان السعي لتعرفها والكشف عنها لتزيد في رفاهيتنا وسعادة الإنسانية، فبمعرفة قوة البخار والكهرباء مثلا أمكن استخدامها في جميع مرافقنا استخداما عاد علينا بالخير العميم. (8-3) القوانين الوضعية
هذه القوانين هي مجموعة الأوامر والنواهي التي وضعها البشر لأنفسهم، فكل أمة لها قوانينها الخاصة التي وضعها الحاكم مباشرة أو بوساطة الهيئة التشريعية، فيطيعها الناس ويتخذونها مقياسا لهم، يشكلون أعمالهم على غرارها رغبة أو رهبة؛ لذلك كان المعنى الأصلي لكلمة «قانون» واضحا فيها.
ومن خواص هذه الطائفة من القوانين أنها لا تبين الواقع فقط كالقوانين الطبيعية، بل تأمر وتنهى، وأنها غير ثابتة بل تتغير تبعا لرقي المجتمع الذي وضعت له ولاختلاف الظروف والأحوال؛ ولهذا نجد هذه اللجان المتعددة التي ألفتها وزارة «العدل» لتغيير القوانين وتنقيحها.
كذلك من مميزات هذه القوانين أنه لا يؤاخذ بها إلا من عرفها وفهمها ووقف عليها، ومن ثم أوجبت الحكومات نشرها حتى يعلمها الناس، كما لا تنفذ على حديثي السن الذين لا يفهمونها. وأيضا هذه القوانين الوضعية قابلة للمخالفة، يستطيع أي إنسان ألا يعتد بها إذا كان مستعدا لتبعة مخالفته؛ ولذلك احتاجت لقوة خارجة عنها لتنفيذها. وإذا كانت القوانين الوضعية البشرية بهذه المثابة من التغير باختلاف الأمم والبيئات والأزمان، فهي لا تصلح أن تكون مقياسا أخلاقيا عاما دائما. (8-4) القوانين الإلهية
هذه القوانين هي الأوامر والنواهي التي شرعها الله - سبحانه وتعالى - لعباده، ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها تنزيل من حكيم حميد، شرعها لنا لنتخذها قدوة في جميع أمورنا، ونسير على سننها في معاملاتنا وسائر أحوالنا، واتباعها كفيل بسعادة الدنيا والآخرة.
وهذه الشرائع السماوية التي توجت بالشريعة الإسلامية ثابتة لا تتغير، عامة خالدة، صالحة في كل زمان ولجميع الناس على السواء، فهي لذلك صالحة لأن تكون مقياسا أخلاقيا إذا فهمنا حكمها وأسرارها. أما حاجتنا للبحث الأخلاقي مع وجودها فموضع الكلام فيها بعد بيان النوع الأخير من القوانين، وهو القوانين الأخلاقية. (8-5) القوانين الأخلاقية
صفحة غير معروفة