الفلسفة أنواعها ومشكلاتها

فؤاد زكريا ت. 1431 هجري
121

الفلسفة أنواعها ومشكلاتها

تصانيف

على ما يسر له خيالنا:

ولكنا عندما نمتلكه،

يقضي امتلاكنا على الشيء وعلى لهفتنا معا.

إن القبعة التي كانت تخفي شعر «بليندا»،

كانت في وقت ما قرة عينها،

أما الآن فقد رمتها، في مكان لا تعرفه،

وتخلت عنها، لسبب لا تعلمه.

كل هذه أمور يتخذ منها صاحب النظرة الذاتية شواهد على أن القيمة لا توجد إلا في أذهاننا، فالحكم التقويمي ليس إيضاحا الصفات كامنة في هذه الأشياء، تجعلها خيرة أو مرغوبا فيها لذاتها (وهو قطعا ليس وصفا للوقع الموضوعي)، وإنما هو مجرد تعبير عن تفضيل. وهذا التفضيل في نهاية الأمر هو دائما تفضيل شخصي. فهو إعلان عما أحبه أنا ذاتي وأجده خيرا، وعما يرضي رغبتي أو مصلحتي الخاصة، بل إن أحكامنا تتغير دائما حتى في مجال التفضيل الشخصي هذا. فلا حاجة بالمرء إلى أن يكون متشائما ساخرا لكي يقول إن كل أحكامنا التقويمية لا تعبر فقط عن تفضيل شخصي، وإنما تمثل تفضيلا مرهونا باللحظة وحدها، ومعرضا للتغير دون سابق إنذار. وإن أي «خير» إنما هو بالضرورة تجربة لفرد ما، وعندما تتفق مجموعة من الأشخاص على قيمة أية تجربة، فلن تكون لدينا مع ذلك إلا مجموعة من التجارب الفردية التي يحكم عليها بأنها خير. وهكذا فإن صاحب النظرة الذاتية لا يعرف القيمة بأنها كامنة في الأشياء أو المواقف، وإنما يعرفها بأنها كل ما يشبع رغبة أو حاجة أو مصلحة. (3) هل يوجد خير مطلق؟

هناك خلاف آخر وثيق الصلة بهذه المناقشة التي تدور بين النظريتين الموضوعية والذاتية في القيمة، هو الخلاف بين المعيارين المطلق والنسبي للخير. هذا الخلاف الثاني كان من الوجهة التاريخية أهم من الأول؛ لأنه يتصل اتصالا وثيقا بالنظرية القانونية والسياسية، فضلا عن التفكير الديني. ولما كانت النظرة المطلقة هي الرأي «الرسمي» للحضارة الغربية طوال الجزء الأكبر من تاريخها، ولما كان من الواضح أن الاتجاه النسبي المتزايد في أيامنا هذه إنما هو تمرد على هذه النظرة التقليدية، فسوف نبدأ ببحثه أولا. وعلى الرغم من أن المعركة بين النظرتين المطلقة والنسبية تمتد إلى جميع أنواع الأحكام التقويمية، فسوف نقتصر هنا على مناقشتها في المجال الأخلاقي وحده.

وجهة نظر المذهب المطلق : يمكن التعبير عن موقف صاحب المذهب المطلق، باختصار، بأنه يرى أنه لا يوجد إلا معيار واحد (أو في حالة الأخلاق، «قانون

صفحة غير معروفة