عدول عن هذا الباب لان معرفة ذاته وصفاته ولزوم أدب حضرة وجوده ومراداته ومناجاته كانت قبل المعرفة بالثواب والعقاب.
فكل عاقل عارف بهذه الأسباب يعبده لأنه جل جلاله أهل للعبادة وهل كان ذلك الكمال والجلال يحتاج إلى بذل رشوة من ثواب أو تخويف من عقاب عند المعترفين له بحق الملكة والسيادة.
حوشي ذلك المالك الأعظم والمقام المعظم من أن لا يرغب مملوكه في حبه وقربه وخدمته إلا بالرشوات بل يجب على مماليكه ان يبذلوا المجهود في قبولهم وتأهيلهم للخدمات والعبادات.
فالعقول السليمة مشغولة بما لزمها بمعفرته من حق انشائه وتربيته وهدايته ومغرمة بحفظ حرمة وجوده وهيبته ومتشرفة بما خلقها له من طلب كمال معرفته وعبادته.
ولقد وجدت من السعادة والاقبال بهدايته جل جلاله وما عرفني من ملاطفته ومكاشفته ولذة مشافهته المنزهة عن كل ما لا يليق بكمال ربوبيته ما لا أقدر على وصفه بمقال.
ألا ترى ان كل ملك وسلطان إذا بالغ مع مملوكه في الاحسان أدخله حضرة وجوده وشرفه تارة في الاذن له في الخطاب وتارة بالجواب.
ولقد كان بعض العارفين يكثر الخلوات فقيل له اما تستوحش لمفارقة الأهل والجماعات فقال انا جليس ربى ان أحببت ان يحدثني تلوت كتابه وإذا أحببت ان أحدثه دعوته وكررت خطابه.
قلت انا وكم من مطلب عزيز وحصن حريز في الخلوة بمالك القلوب وكم هناك من قرب محبوب وسر غير محجوب.
فلما رأيت فوائد الخلوة والمناجاة وما فيها من مراده لعبده من
صفحة ٦