تلك هي الألفاظ التي ذاعت وشاعت إذ ذاك، على أنه لو كان في مقدور أولئك المفكرين الذين يرجع تاريخهم إلى نحو 4000 سنة مضت للآن، أن ينظروا إلى المستقبل البعيد، وهم بحسب ما وصلت إليه معلوماتنا أول من حاولوا أن يوجدوا حكومة صالحة، لفقدوا شيئا من شجاعتهم عند إنعام النظر في تحقيقات نظام «تماني»
1
أو محاكمة «كابون».
2
وكيف على كل حال يستطاع الوصول إلى حكومة أحسن حالا مما كان؟
إن الجواب عن ذلك كان واضحا جليا عند المفكر الاجتماعي القديم، فقد كان بعض أولئك المفكرين مقتنعا بإمكان الدخول في عصر جديد على أساس جيل من الموظفين الأمناء العدول، ورأى آخرون أن تحقيق ذلك يتأتى على يد ملك عادل مخلص مجدد ينقذ المجتمع مما فيه.
فعندما فحص رجال الطائفة الأولى الحياة رأوا وجوب التمسك بالمبادئ العملية السليمة للحياة الحقة التي يمكن أن تطبق على الحياة اليومية لطائفة الموظفين، وهؤلاء المفكرون كانوا لا يزالون يؤمنون بوجوب سيادة الحق الخالد؛ الذي هو «ماعت» القديمة، وقد استمروا على تمسكهم بأهداب ذلك الأمل ووجوب إعادتها للسيطرة على الحياة المصرية. وهذه الآراء قد عبر عنها في مقال يمكننا أن نسميه «الفلاح الفصيح »، ومن حسن الحظ أن ذلك المقال لم يصل إلينا عن طريق نسخة متأخرة محرفة مثل الكثير غيرها من وثائق ذلك العصر التي وقعت بأيدينا، بل بقيت محفوظة حتى وصلت إلينا في لفافة من البردي الفخم الذي كتب في ذلك العصر الإقطاعي، وتلك اللفافة محفوظة الآن بمتحف «برلين».
على أننا لم نهتد إلى معرفة اسم مؤلفها، وهو أمر جرت به العادة في مخلفات ذلك العصر المجهول. وقد وضع المؤلف بين أيدينا في ذلك المقال مناقشاته في هيئة قصة شرقية ممتعة مؤلفة، ضمنها وهي في شكلها المسرحي سلسلة من الأبحاث عن خلق الموظف المستقيم وما انطوت عليه روحه، وما ينجم عن ذلك من إقامة العدالة الاجتماعية والإدارية نحو الفقير.
ولعلنا بهذه المناسبة نذكر الكلمات الدالة على اليأس التي فاه بها «خع- خبرو-رع-سنب» حيث قال: «وصار الرجل الفقير لا قوة له تحميه ممن هو أقوى منه.» ولعلنا كذلك نذكر أن «مريكارع» قد حدثه والده فيما نصحه به قائلا له: «إن الموظف الذي يقول: «ليت لي» ليس عادلا، بل يظهر التحيز إلى جانب الفرد الذي بيده الهدية (يعني الرشوة).» وقد كان العلاج الذي نصح به الأمير «مريكارع» من والده في «أهناسية» لإصلاح تلك الحال هو أن يجعل لكل موظف مرتبا وفيرا.
وسنرى الآن أن ذلك العلاج وحده كان غير ناجع؛ لأننا سنجد فيما يأتي بعد، أنه وقع على مشهد من القصر الملكي بجوار «أهناسية» اضطهاد غاشم أقدم على ارتكابه موظف فاسد الأخلاق في ضيعة «المدير العظيم لبيت الملك» في ذلك الزمن، وهو يدل دلالة قاطعة على أن الوظيفة ذات المرتب الضخم لا تغرس في نفس صاحبها العدالة، ولن تغني الفقير شيئا من اضطهاد رجال الحكومة له.
صفحة غير معروفة