181

فضائل بيت المقدس لابن المرجى المقدسي

تصانيف

فقد وافقت اللغة العبرانية العربية في هذا المعنى، وفي الكتب القديمة من هذا المعنى كثير؛ لأنها لغة القوم، والله تعالى إنما يخاطب كل قوم بلغتهم، ومن أجل ما فيها من هذا الفن غلط كثير من الناس في التأويل، وتشعبت بهم الطرق، فالنصارى تذهب في قول المسيح صلى الله عليه وسلم في الإنجيل: ((أدعو أبي))، ((وأذهب إلى أبي))، وأشباه هذا، إلى أبوة الولادة، ولو كان المسيح قال هذا في نفسه خاصة دون غيره، ما كان لهم أن يتأولوه هذا التأويل، كيف وهو يقول في كثير من المواضع لغيره، كقوله لنفسه؛ لأنه حين فتح فاه بالوحي قال: إذا تصدقت بصدقة فلا تعلم يمينك ما صنعت شمالك، فإن أباك الذي يعلم الخفيات يجزيك به علانية، وإذا صليتم فقولوا: يا أبانا الذي في السماء ليتقدس اسمك، وإذا صمت فاغسل وجهك، وادهن رأسك؛ لئلا يعلم بذلك غير أبيك.

وقد قال الله تعالى في الزبور لداود -عليه السلام-: سيولد لك غلام يسمى لي ابنا، وأسمى له أبا. وفي التوراة أنه قال ليعقوب: أنت بكري.

وتأويل هذا: أنه في رحمته وبره وعطفه على عباده الصالحين كالأب الرحيم لولده؛ لأنك أعظم تعطفا ورحمة من الوالد الرحيم؛ لأن الوالد لو ظهر له من ولده الذي هو شديد المحبة له المخالفة له، مرة بعد مرة، لسارع إلى مقته، وزالت محبته عن قلبه، والله تعالى يطلع من عباده على ذنوب، لو اطلع عليها الآباء والأمهات مزقوا الولد كل ممزق، ومع ذلك يسترها ويقبل التوبة عنها، ولا يكون ذلك سبب قطع فضله وإحسانه، بل يصل إلى المذنبين من فضله وإحسانه حتى كأنهم محبون، ومن ذا الذي يقدر أن يصف جوده وكرمه، وتعطفه على خلقه، مع قوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}. وقد كانت العرب تسمي الأرض أما؛ لأنها مبتدأ الخلق، وإليها مرجعهم، ومنها أقواتهم، وفيها كفاتهم، كما قال أمية بن أبي الصلت:

صفحة ٢٠٤