شرح كتاب الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق لابن تيمية - محمد حسن عبد الغفار
تصانيف
نهي النبي ﷺ عن الغلو فيه
وفي الموطأ عن النبي ﷺ قال: (لا تتخذوا قبري عيدًا) يعني: من العود، فلا تعتادوا وتنتابوا قبري ليل نهار، وهذا الذي نبينه للحجاج والمعتمرين لأن بعضهم إذا صلى الفجر قال: أنا سأسلم على النبي، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر، ثم يأتي في الظهر يسلم وفي المغرب يسلم وفي العصر يسلم، وفي العشاء يسلم، فهو يقع في البدعة ولا يدري، وقد قال النبي ﷺ: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد).
وعلاقة الحديث بموضوعنا أن النبي ﷺ أراد حسم المادة؛ لأنهم لو عاودوا الذهاب والإياب إلى قبر النبي ﷺ سيقعون في الغلو في رسول الله، وقد حدث الغلو في رسول الله ﷺ، كما قال البوصيري: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم قال ابن رجب: هذا السفيه لم يترك لله شيئًا، أي: من جودك أنت الدنيا والآخرة، ومن علومك علم اللوح والقلم أي: علم اللوح المحفوظ من علمك يا رسول الله، وهذا من الغلو في رسول الله ﷺ.
وبعضهم غلوا في النبي ﷺ حتى قالوا: إن النبي خلق من نور.
والأشد من هذا قولهم: صعد جبريل ليأخذ القرآن من أجل أن ينزل به إلى محمد فكشف الحجاب فقال محمد: منك وإليك.
لقد جعلوا رسول الله الخالق وهو المخلوق.
فالعود على قبر النبي ﷺ سيصل بالإنسان إلى الغلو في النبي ﷺ، والغلو في النبي ﷺ يصل به إلى الشرك بالله جل في علاه، فلذلك قال النبي ﷺ حسمًا للمادة: (لا تجعلوا قبري عيدًا).
وكان يقول: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد) والحمد لله قد كان.
وقالت عائشة ﵂ وأرضاها: قال رسول الله ﷺ: (اشتد غضب الله على أقوام يتخذون القبور مساجد).
وقال النبي ﷺ: (شرار الخلق عند الله من تقوم عليهم الساعة، والذين يتخذون القبور مساجد) كل هذه النواهي كانت حسمًا للمادة وسدًا للذريعة وخوفًا من وقوع الأمة في الغلو في الصالحين ببناء المساجد على قبورهم.
5 / 6