شرح كتاب الفرق بين عبادات أهل الإسلام والإيمان وعبادات أهل الشرك والنفاق لابن تيمية - محمد حسن عبد الغفار
تصانيف
أول شرك وقع في الأرض سببه الغلو في الصالحين
والصحابة رضوان الله عليهم عبدوا الله بالتوحيد الخالص كما أمرهم النبي ﷺ، وسنرى كيف سدوا منابع الشرك، وكيف حسموا مادة الشرك ائتمارًا بأمر النبي ﷺ.
إن أول الشرك في البشرية بأجمعها كان بسبب الغلو في الصالحين، وكما قال ابن عباس ومحمد بن كعب كما في تفسير ابن أبي حاتم وهو عند البخاري وابن جرير الطبري وابن كثير أن ابن عباس قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون على التوحيد الخالص.
أي: لم يشرك أحد بالله جل في علاه، ثم جاء قوم نوح وكان هناك بعض الناس يعني: من الفضلاء الكبراء الذين يتعبدون لله في ذلك الزمان فكانوا يعظمونهم، فلما ماتوا زين لهم الشيطان أن يصوروا لهم التصاوير، يعني: التماثيل من أجل أن يذهبوا إلى هذه التماثيل فيتذكروا شدة اجتهادهم في عبادتهم فيعبدون الله كما كان يعبده أولئك فكأنها تشد الهمم.
وانظروا إلى فقه الشيطان، فإنه لا يفتح للإنسان باب الشر على مصراعيه، بل يستدرج الإنسان ويفتح له باب الخير ليفتح بعده مائة باب من الشر، ولذلك كان الصحابة يسألون عن الشر حتى يغلقوا أبوابه، قال حذيفة: كان الناس يسألون النبي ﷺ عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه: عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ومن لم يعرف الشر من الخير يقع فيه فمن لا يميز بين الخير والشر سيقع في الشر حتمًا، ولهذا كان فضل العلم وفضل الفقه عظيمًا، فإن الشيطان استدرج هؤلاء الأغرار الأغمار الجهلة حتى يجتهدوا في العبادة كما اجتهد أولئك، فلما اندرس العلم ومات الذين كانوا يفعلون ذلك جاء أقوام بعدهم فقالوا: إنهم اتخذوا وسائل بينهم وبين الله شفعاء كما قالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر:٣] فعبدوهم من دون الله جل في علاه.
وهذا أول الشرك وأصله، وهو الغلو في الصالحين وبناء المساجد على قبور الصالحين.
5 / 4