شرح العقيدة الواسطية للهراس
الناشر
دار الهجرة للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤١٥ هـ
مكان النشر
الخبر
تصانيف
/ش/ قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ ...﴾ إِلَخْ؛ تَضَمَّنَتِ الْآيَةُ إِثْبَاتَ اسْمَيْنِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَهُمَا: الْغَفُورُ، وَالْوَدُودُ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْغَفْرِ، وَمَعْنَاهُ الَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ السَّتْرُ عَلَى الْمُذْنِبِينَ مِنْ عِبَادِهِ، وَالتَّجَاوُزُ عَنْ مُؤَاخَذَتِهِمْ.
وَأَصْلُ الْغَفْرِ: السَّتْرُ، وَمِنْهُ يُقَالُ: الصَّبْغُ أَغْفَرُ لِلْوَسَخِ. وَمِنْهُ: الْمِغْفَرُ لِسُتْرَةِ الرَّأْسِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ مِنَ الودِّ الَّذِي هُوَ خَالِصُ الْحُبِّ وَأَلْطَفُهُ، وَهُوَ إِمَّا مِنْ فَعُولٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: الْكَثِيرُ الْوُدِّ لِأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَالْمُتَقَرِّبُ إِلَيْهِمْ بِنَصْرِهِ لَهُمْ وَمَعُونَتِهِ. وَإِمَّا مِنْ فَعُولٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: الْمَوْدُودُ لِكَثْرَةِ إِحْسَانِهِ، المستَحِقُّ لِأَنْ يَوَدَّه خَلْقُهُ فَيَعْبُدُوهُ وَيَحْمَدُوهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ؛ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ إِثْبَاتَ اسْمَيْهِ الرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ، وَإِثْبَاتَ صِفَتَيِ الرَّحْمَةِ وَالْعِلْمِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ الْكَلَامُ عَلَى هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ، وَبَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ أَوَّلَهُمَا دالٌّ عَلَى صِفَةِ الذَّاتِ وَالثَّانِيَ دالٌّ عَلَى صِفَةِ الْفِعْلِ.
وَقَدْ أَنْكَرَتِ الْأَشَاعِرَةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ صِفَةَ الرَّحْمَةِ بِدَعْوَى أَنَّهَا فِي الْمَخْلُوقِ ضعفٌ وخَوَرٌ وتألُّم لِلْمَرْحُومِ، وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ الْجَهْلِ، فَإِنَّ الرَّحْمَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ لِلضُّعَفَاءِ، فلَا تَسْتَلْزِمُ ضَعْفًا وَلَا خَوَرًا؛ بَلْ قَدْ تَكُونُ مَعَ غَايَةِ الْعِزَّةِ وَالْقُدْرَةِ، فَالْإِنْسَانُ الْقَوِيُّ يَرْحَمُ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَأَبَوَيْهِ الْكَبِيرَيْنِ ومَن هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، وَأَيْنَ الضَّعْفُ وَالْخَوَرُ - وَهُمَا مِنْ أَذَمِّ الصِّفَاتِ - مِنَ الرَّحْمَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ نَفْسَهُ بِهَا، وَأَثْنَى عَلَى أَوْلِيَائِهِ الْمُتَصِّفِينَ بِهَا،
1 / 106