الله : وإنما افتتحت بهذه الكلمة المكرمة المعظمة مع أن لها مقاما آخر بحسب | رعاية الحرف الثاني تيمنا وتبركا وهذا هو الوجه للإتيان بعد هذا بلفظ الأحمد | والأصحاب واعلم أنه لا اختلاف في أن لفظ الله لا يطلق إلا عليه تعالى وإنما | الاختلاف في أنه إما علم لذات الواجب تعالى المخصوص المتعين أو وصف من | أوصافه تعالى فمن ذهب إلى الأول قال إنه علم للذات الواجب الوجود المستجمع | للصفات الكاملة . واستدل بأنه يوصف ولا يوصف به وبأنه لا بد له تعالى من اسم | يجري عليه صفاته ولا يصلح مما يطلق عليه سواه . وبأنه لو لم يكن علما لم يفد قول | لا إله إلا الله التوحيد أصلا لأنه عبارة عن حصر الألوهية في ذاته المشخص المقدس . | واعترض عليه الفاضل المدقق عصام الدين رحمه الله بأنه كيف جعل الله علما شخصيا | له تعالى لأنه لا يتحقق إلا بعد حصول الشيء وحضوره في أذهاننا أو القوى المثالية | والوهمية لنا ألا ترى أنا إذا جعلنا العنقاء علما لطائر مخصوص تصورناه بصورة | مشخصة بحيث لا يتصور الشركة فيها ولو بالمثال والفرض وهذا لا يجوز في ذاته تعالى | الله علوا كبيرا . فإن قلت واضع اللغة هو الله تعالى فهو يعلم ذاته بذاته ووضع لفظ الله | لذاته المقدس ، قلت هذا لا يفيد فيما نحن فيه لأن التوحيد أن يحصل من قولنا لا إله | إلا الله حصر الألوهية في عقولنا في ذاته المشخص في أذهاننا ولا يستقيم هذا إلا بعد | أن يتصور ذاته تعالى بالوجه الجزئي . هذا غاية حاصل كلامه وقد أجاب عنه أفضل | | المتأخرين الشيخ عبد الحكيم رحمه الله بأنه آلة الإحضار وهو وإن كان كليا لكن | المحضر جزئي ولا يخفى على المتدرب ما فيه لأنه إن أراد أن المحضر جزئي في | الواقع فهو لا يفيد حصر الألوهية في أذهاننا كما هو المراد . وإن أراد أن المحضر | جزئي في عقولنا فممنوع ، فإن وسيلة الإحضار والموصل إليه إذا كان كليا كيف يحصل | بها في أذهاننا محضر جزئي وما الفرق بين قولنا لا إله إلا الله وبين قولنا لا إله إلا | الواجب لذاته . فإن ما يصدق عليه هذا المفهوم أيضا جزئي في الواقع . فإن قلت | التوحيد حصر الألوهية في ذات مشخصة في نفس الأمر لا في أذهاننا فقط . قلت فهذا | الحصر لا يتوقف على جعل اسم الله علما بل إن كان بمعنى المعبود بالحق يحصل | أيضا ذلك ، ولذلك يحصل بقولنا لا إله إلا الله إلا الواجب لذاته كما سبق ومن ذهب | إلى الثاني قال إنه وصف في أصله لكنه لما غلب عليه تعالى بحيث لا يستعمل في غيره | تعالى وصار كالعلم أجري مجرى العلم في الوصف عليه وامتناع الوصف به وعدم | تطرق الشركة إليه . واستدل ، بأن ذاته من حيث هو بلا اعتبار أمر آخر حقيقي كالصفات | الإيجابية الثبوتية أو غير حقيقي كالصفات السلبية غير معقول للبشر فلا يمكن أن يدل | عليه بلفظ . ثم على المذهب الثاني قد اختلف في أصله فقال بعضهم إن لفظ الله أصله | إله من إله الآهة وإلها بمعنى عبد عبادة والإله بمعنى المعبود المطلق حقا أو باطلا | فحذفت الهمزة وعوض عنها الألف واللام لكثرة الاستعمال أو للإشارة إلى المعبود | الحق وعند البعض من إله إذا فزع والعابد يفزع إليه تعالى وعند البعض من وله إذا تحير | وتخبط عقله ، وعند البعض من لاه مصدر لاه يليه ليها ولاها إذا احتجب وارتفع وهو | سبحانه وتعالى بكمال ظهوره وجلائه محجوب عن درك الأبصار ومرتفع على كل شيء | وعما لا يليق به . والله أصله الإله حذفت الهمزة إما بنقل الحركة أو بحذفها وعوضت | منها حرف التعريف ثم جعل علما إما بطريق الوضع ابتداء وإما بطريق الغلبة التقديرية | في الأسماء وهي تجيء في موضعها إن شاء الله تعالى .
صفحة ١٠