168

دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم

تصانيف

التأهب لقدوم شهر رمضان قبل استهلاله
الحمد لله الذي أعظم على عباده المنة بما دفع عنهم من كيد الشيطان ورد أمله وخيب ظنه، إذ جعل الصوم حصنًا لأوليائه وجنده، وفتح لهم به أبواب الجنة، وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنة، وأن بقمعها تصبح النفس مطمئنة، ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنة، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد قائد الخلق وممهد السنة، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فإن حكمة الله جل وعلا اقتضت أن يجعل هذه الدنيا مزرعة للآخرة وميدانًا للتنافس، وكان من فضله ﷿ على عباده وكرمه أنه يجزي على القليل كثيرًا، ويضاعف الحسنة، ويجعل لعباده مواسم تعظم فيها الأجور، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام، وتقرب فيها إلى مولاه بما أمكنه من وظائف الطاعات، عسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات.
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى في قوله ﷿: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان:٦٢] قال: من عجز بالليل كان له من أول النهار مستعتب، ومن عجز بالنهار كان له من الليل مستعتب.
أي: يستدرك في أحدهما ما يفوته في الآخر.
ومن أعظم هذه المواسم المباركة وأجلها شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، بل لا يعلم موسم تجتمع فيه أبواب الخير والطاعات أكثر مما تجتمع في هذا الشهر العظيم، ولهذا كان حريًا بالمسلم انطلاقًا من قول رسول الله ﵌: (احرص على ما ينفعك) أن يحسن الاستعداد لهذا القادم الكريم، ويفقه شروط وآداب هذه العبادة المباركة؛ لئلا يفوته الخير العظيم، ولئلا ينشغل بمفضول عن فاضل أو بفاضل عما هو أفضل منه.
وندعو أنفسنا جميعًا الآن إلى أن يستحضر كل واحد منا لو أن أحب الناس إليه غاب عنه أحد عشر شهرًا ثم بشر بقدومه وعودته خلال أيام قلائل، فكيف يكون استبشاره بقدومه وبشاشته عند لقائه؟! فمن أجل هذا المعنى كان أول الآداب الشرعية في هذه المناسبة وبين يدي رمضان التأهب لقدومه قبل الاستهلال، وذلك بأن تكون النفس بقدومه مستبشرة، ولإزالة الشك في رؤية الهلال منتظرة، وأن تستشرف لنظره استشرافها لقدوم غائب حبيب من سفره؛ لأن الاهتمام باستقبال رمضان والاستعداد له قبل دخوله من تعظيم شعائر الله، ومن تعظيم شعائر ومعالم هذا الدين، والله ﷿ يقول: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج:٣٢].
والناس في رمضان كغيره من مواسم الخير والطاعات يصدق فيهم قول الله ﵎: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل:٤] فيتباين الناس في استعدادهم لهذا الشهر الكريم حسب حظهم من الإيمان والصبر واليقين، فهم ما بين فرح مسرور بقدومه، وما بين مستثقل متضجر.
وهناك من يستعد لرمضان بمجرد انطلاق رمضان الماضي، حيث نجد شياطين الإنس يستعدون لاستقبال شهر رمضان المقبل بما يعدونه من التمثيليات والأفلام والفوازير واللهو والعبث، وذلك لصد الناس عن هذا الموسم العظيم، أفلا يجدر بعباد الرحمن وأولياء الله ﷿ أن يستعدوا فيعلموا كيف يغتنمون هذا الموسم العظيم ويخططون له ويتأهبون له قبل قدومه؟!

9 / 2