الإجهاز على الفيديو والتلفاز
أحاطت بالمسلمين في هذا العصر فتن ومخاطر تحطم وتهدم فيهم من كل جانب، وليس العجب مما يفرض عليهم من الخارج، ولكن العجب مما يفرضونه هم على أنفسهم.
ويعد التلفاز والفيديو من تلك الأشياء التي فرضوها على أنفسهم لكي تهدمهم من حيث لا يشعرون، ومما يميز هدم التلفاز والفيديو أنهما يهدمان الأخلاق والأديان والشرائع والأعراف كلها، وأن هذا الوباء يستشري مع الزمان ويتمكن في القلوب، وينتقل من جيل إلى آخر، مما ينذر بخطر عظيم ما لم يتدارك أهل العقل والعلم هذا الأمر ويحذروا من خطره.
1 / 1
تأثير الفيديو والتلفاز على المحيطين بهما
نستحضر معًا صورة رسمها أو تخيلها بعض الناس، وربما عبروا عنها في قصة تنسب إلى شخصية جحا أو غيره، شخصية ذلك الرجل الذي أراد أن يقطع غصن شجرة، فتسلق الشجرة وجلس على الغصن من طرفه الخارجي وليس من الجهة المقابلة للساق، ثم أخذ المنشار وظل يقطع الغصن، فرآه رجل على هذه الحالة، وكان هناك رجل يرى الصورة من بعيد، فقال له: أنت على وضع خطأ، يوشك أن تسقط الآن.
فما بالى به ولا التفت إليه، ونظر أمامه فقط، فأخذ يقطع الغصن حتى هوى به وسقط على أم رأسه، فأخذ يجري وراء ذلك الرجل ويقول له: كأنك تعلم الغيب، كيف عرفت أنني سأسقط؟ أخبرني إذًا متى سأموت؟ والشاهد أن الإنسان حينما يكون داخل تأثير مجال معين فإنه لا يستطيع أن يقيس الأمور قياسًا دقيقًا، لكنه إذا حرر نفسه من هذا المجال ومن تأثيراته، ونظر من بعيد استطاع أن يذكر الحكم الصائب على الأشياء، ولذلك فإن ذلك الرجل -لأنه بعيد- استطاع أن يرى هذه الصورة بخلاف ذلك الذي كان يمارسها بالفعل.
فنحن نحتاج -أولًا- إذا أردنا أن نناقش هذا الموضوع أن نخرج من تأثيره السحري، أو تأثيره المخدر، كما يسميه بعض المعاصرين بالمخدر الكهربائي، نحن نحارب الإدمان بالمخدرات والكحول وغيرها كثيرًا، إلا أننا نؤمن تمامًا أن التلفزيون أو الفيديو أشد وأخطر وأفسد للقلوب.
إن هذا الشخص الذي أشرب حب هذه الأشياء، ويجلس أمامها عاكفًا في خشوع وصمت وسكون العابد الخاشع المتبتل ما حظ هذا الإنسان الذي يدعي الإسلام ومحبة النبي ﷺ ومحبة الله؟! ما حظه من قوله ﵎: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ [الحجرات:٧]، هل هذا الإنسان فعلًا بغض إليه الكفر والفسوق والعصيان؟! إن الذي يجلس ليرى -على الأقل- النساء المتبرجات هو الذي استجلب الجهاز بيده، واشتراه بماله، وربما أخذه من قوت أولاده، وهو الذي فتحه لأولاده وأحضره لهم، ثم بعد ذلك يذوق الثمار المريرة من هذه الفتنة التي أشعل نارها بيده هل له حظ من قوله ﵎: ﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف:٢٨]؟ هل له حظ من قوله ﷿: ﴿إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى﴾ [طه:١٥ - ١٦]؟ إذا حشر الخبيث والطيب يوم القيامة، إذا حشر الحق والباطل فمع أي الفريقين يكون صاحب التلفزيون والفيديو؟ المسألة لا تحتاج إلى جواب، وماذا بعد الحق إلا الضلال.
هذه الفتنة الآن اقتحمت بيوت المسلمين، وجاست خلال ديارهم تفسد عليهم عقيدتهم وأخلاقهم، وتصدهم عن دين ربهم ﵎، وتقتل فيهم روح الغيرة على حرمات الله، الغيرة التي هي حياة القلب ليرى المنكر منكرًا والمعروف معروفًا، إذا ماتت الغيرة على حرمات الله ﷿ مات الإيمان، وصار بلا روح، يقول النبي ﵌: (إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه)، فإن الله ﷿ يغار حينما يرى حرماته تنتهك وحدوده تتعدى.
إن أقل ما يقع ممن يعكف ويجلس خاشعًا أمام هذا الصنم الكبير استحسان المعاصي، وإذا ما تعود قلبه على رؤية المنكرات يموت في قلبه الإحساس بأنها منكرات، لن يخلو من سماع الموسيقى، ولن يخلو من رؤية المرأة المتبرجة، ولن يخلو من إقرار كثير من المنكرات، بل لن تصير منكرات حينما يرى النساء الأجنبيات مع الرجال الأجانب عنهن في أوضاع -والعياذ بالله- تكاد تتفطر لها الأكباد والقلوب، هل القلب في هذه الحالة ينكر هذا المنكر؟ وإن أنكره في المرة الأولى ماذا يكون في الثانية والثالثة؟ وهكذا.
إذًا يموت الإحساس من القلب ويصير قلبًا منكسًا، يستحسن المعاصي ويتلذذ بها، ويود أن لا يزعجه أحد أو أن يبعده ويقصيه عن هذا الاسترسال والخشوع أمام هذا الصنم الجديد.
مر عبد الله بن عمرو رضي الله ﵎ عنهما على قوم جالسين يلعبون بالشطرنج، فأنكر عليهم قائلًا: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ فأيهما أولى بأن نتمثل له بهذه الآية، هذه القطع من الشطرنج الخشبية، أم هذا الصنم الجديد الذي حول ونقل السينما والبارات والمواخير والخمارات إلى داخل بيوت المسلمين؟! ثم حول الأمة تحويلًا شديدًا عن الهدف الذي خلقت له.
إن هذه الأمة المحمدية أمة ذات رسالة في هذه الحياة، كما قال ربعي بن عامر لـ رستم لما قال له: ما جاء بكم؟ قال: (إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)، هذه هي أهداف هذه الأمة، لا أن تجلس وتقتل الوقت أو تنتحر -بتعبير أدق- أمام هذا الجهاز الخبيث، صارت الفتنة في كل مكان الآن، ولا يكاد يخلو منها بيت، وفي نفس الوقت نحتاج ونحن ندرس هذه القضية إلى الاقتباس من كثير من البحوث، وإن كنت -والحمد لله- لا أرى هذين الجهازين، لكن من خلال بحوث علمية كثيرة جمعت ودراسات اشتملت على الأسئلة التي ننقلها إليكم بالتنبيه إلى هذا الخبر.
أيضًا نحتاج كثيرًا جدًا إلى الاقتباس من الباحثين الغربيين لسببين: الأول: أن الحكمة ضالة المؤمن.
والسبب الثاني: أن القوم كانوا أسرف منا في الابتلاء بهذه الأشياء، ومع ذلك شهد شاهد من أهلها، وفهم رماه الأقربون حينما يضجون الآن ويمنعون أبناءهم من مشاهدة هذا الجهاز لأخطاره على الأخلاق والقيم؛ لأنه فتنة يشب عليها الصغير ويهرم عليها الكبير.
الكل يوقف سمعه وبصره وقلبه على البث التلفزيوني، انظر إلى منظرهم وهم يتابعون مباراة كرة قدم، أو تمثيلية مهمة، ماذا يكون حالهم؟ تجد الخشوع، وهل يخشعون في الصلاة هكذا؟ أو إذا قرئ القرآن ينصتون له هكذا؟! لا.
إنك تجد القلوب والأسماع خاشعة، ولو أن طفلًا صغيرًا ألقى قشة في الأرض لثاروا وضجوا: اسكت.
ويخرصون كل من يهم بأن يقطع عليهم هذه العبادة وهذا التبتل في محراب الشيطان، يتشبث كل فرد في متابعته لا يكاد ينفك عنها، الجميع عاكفون أمامه سامرون على حال من الذهول وفقدان الوعي كأنهم مسحورون قد سمروا على مقاعدهم يتابعون الأحداث بكل إصغاء وانتباه، تنقطع أنفاسهم، وتدق قلوبهم إذا تأزم الموقف، ثم تنطلق صيحاتهم وصرخاتهم ويتحركون في عنف عند أي موقف ناسين ما حولهم ومن حولهم، فترى الرجل الكبير يخرج عن وقاره، ويقف على الكرسي إذا سجل هدف -مثلًا- في مبارة كرة، ويصرخون كأن الحرب قد قامت، وكأن المسلمين استردوا فلسطين وعاد بيت المقدس بذاك الهدف، وأقيمت الخلافة، وعادت أفغانستان، ونفذت كل مآرب الأمة وأهدافها.
هل من العقل والحكمة أن نتعامل مع هذا الجهاز الخبيث بهذه العفوية والسذاجة والسلبية؟ هل نحسن به الظن ونعتقد أن فوائده كثيرة؟ بل صار من المسلمين من يعتبر وجود هذا الخبيث ضرورة حياتية لا يستطيع أن يستغني عنها، قد يستغني عن الطعام والشراب ولا يستغني أبدًا عن هذا الجهاز الخبيث، غاب عن هؤلاء جميعًا مساوئ ومخاطر هذا الجهاز، أو نظروا إليها بمنظار مصغر فحقروها.
ومن هنا نقف هذه الوقفة في دعوة صادقة مع النفس نراجعها ونقلب أبصارنا وبصائرنا في محاسن هذا الجهاز ومساوئه، فإذا فعلنا ذلك سنقرر أن للفيديو والتلفزيون منافع للناس، ولكن هما كالخمر والميسر فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما.
لكن المنافع على قلتها ضخمت، وأريد لها الظهور فروج لها، وأخفيت المساوئ على خطورتها وكثرتها فلا تكاد تذكر، ومن أجل ذلك لن نتكلم على مزية واحدة من مزايا هذا الجهاز؛ لأن الناس يحفظونها ويعدونها كأسلحة مضادة إذا هوجموا، يقول أحدهم: أنا اشتريت التلفزيون لأشاهد البرامج الدينية، أو لمتابعة الشيخ الشعراوي، أنا أتيت به لكي أطالع نشرات الأخبار.
ويستنزله الشيطان دركة دركة حتى يقع في الهاوية.
فالتلفزيون ليس في حاجة إلى تلميع حتى نتكلم على مزاياه، وإنما نحاول كشف ما فيه من مخاطر يغفل عنها أكثر المسلمين انطلاقًا من قوله ﵎: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات:٥٥].
1 / 2
مفاسد التلفاز الأخلاقية والشرعية
أول ما نذكر به هؤلاء المؤمنين آية نتلوها من كتاب ربنا العظيم، لو فقهت معناها قلوبنا لرأيتها خاشعة متصدعة من خشية الله، وإذا استيقظت ضمائرنا فلعل قشعريرة الرهبة تسري في أوصالنا، ورعشة الهيبة تهز أعماقنا، إنها قول ربنا جل وعلا: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء:٣٦]، فما ألصق هذه الآية بموضوعنا حيث تتعلق بأخطر جهاز إعلامي يخاطب العين، والسمع، والبصر، والقلب بالصوت والصورة والحركة.
1 / 3
أضرار التلفاز الصحية
بالنسبة للأضرار الصحية والجسيمة التي تحدث من هذا الجهاز تجد أطفال الجيل التلفزيوني حينما يجرى لهم الفحص الطبي عند دخولهم المدارس تجد أن ظهورهم منحنية من الجلسة التي يجلسونها أمام التلفزيون، الأبصار ضعيفة، مشكلات في النطق والطلاقة في الحديث، إرهاق لأعصاب العين وإجهاد لها بسبب النظر المستمر في حجرة مظلمة عن قرب وباستمرار، وعدم تحريك الظهر إلا في هذا الحيز الضيق.
عالم شهير بالتصوير الإشعاعي يسمى: دكتور إينل كروب أكد بمرارة وهو يحتضر في إحدى المستشفيات بأمريكا -هذا عالم في الإشعاع، ولن يكون هناك عالم بالإشعاع مثله متخصص في ذلك- فقال وهو يحتضر: إن أجهزة التلفزيون في البيوت هي عبارة عن عدو لدود وإخطبوط سرطاني خطير يمتد إلى أجسام الأطفال.
وقد كان هذا الدكتور نفسه أحد ضحايا السرطان الناتج عن إشعاعات التلفزيون، بالذات الأشعة السينية التي تسبب الإصابة بالسرطان، وتشوه الأجنة، وقد تقتل الأجنة قبل الولادة أو بعد الولادة، وقد تحدث سرطانات في الجلد.
هذا الدكتور كان أحد ضحايا السرطان الناتج عن إشعاعات التلفزيون، وقد أجريت له قبل وفاته ستٌّ وتسعون عملية جراحية لاستئصال الدرنات السرطانية ولكن دون جدوى؛ إذ إنه وصل إلى النهاية المؤلمة بعد أن استؤصل قسم كبير من وجهه وبترت ذراعه.
وأضاف الدكتور كروب قبل موته: إن شركات التلفزيون تكذب وتخدع الناس عندما تزعم أن هناك حدًا أدنى للطاقة الإشعاعية لا تضر ولا تزود بها أجهزتها، فالعلم يقول بعد التجارب العديدة: إن أية كمية من الإشعاع مضرة بالجسم على درجات متفاوتة، وذلك حسب نسبة التعرض والجلوس أمام التلفزيون.
وقد طالبت مجلة الاقتصاد التي نقلت هذه المعلومات -وهي مجلة تصدر في بيروت- في نهاية مقترحاتها أن على كل أب وأم أن يتناولا مطرقة ضخمة ويحطما بها كل ما لديهما من أجهزة تلفزيونية.
يحذر العلماء في مصر أيضًا من ذلك، ويقولون: أكدت نتائج بحث علمي مصري أن تعرض الأم الحامل لمصادر الإشعاع الشديدة الموجودة حولنا في كل مكان ينتج عنه تشوهات في الأجنة قد تتسبب في موت الجنين قبل أو بعد الولادة.
وأيضًا الدكتور محمد محمد منصور رئيس وحدة بحوث المناعة والطفيليات بالمركز القومي لتكنولوجيا الإشعاع في مصر يقول: بناءً على هذه النتيجة ينصح الدكتور محمد منصور السيدات الحوامل وكذلك الأطفال بعدم الجلوس لفترات طويلة أمام أجهزة التلفزيون الملون الموجودة حاليًا في معظم البيوت المصرية؛ إذ به -الإشعاع- مصدر قاتل للجنين، كما أنه يؤدي إلى ضعف الإبصار عند الأطفال، إضافة إلى تأثيره على عدسة زجاج النظارة الطبية، وبالتالي درجة ملاءمتها للعين.
وعلى أي الأحوال فهذه بعض الأشياء تكشف أنه خبيث لا خير فيه.
1 / 4
تدمير الفيديو لأخلاق الأجيال
من مفاسد الفيديو تلك الظاهرة التي انتشرت، وملخص القصة أن مالك إحدى المدارس ذهب إلى صاحب مقهى يرجوه أن لا يقدم أفلام الفيديو في الصباح؛ لأن المدرسة خلت تمامًا من التلاميذ، ولما لم يستجب له صاحب المقهى طلب معاونة البوليس.
أب أيضًا اقتنى جهاز الفيديو وعاد فوجد أولاده أتوا بشريط قذر، وجلس جميع الأولاد ينظرون إليه، فحطم الأب الجهاز تحطيمًا وكسره تكسيرًا.
مثل هؤلاء الآباء هم أولى أن يسجنوا وأن يوضعوا في الأحداث، وليس الأبناء المساكين؛ لأنك أنت الذي أتيت بهذه الأشياء في البيت، ولتجدن إثمها ولو بعد حين، وستذوق ثمرتها.
من ذلك أيضًا ظاهرة الهروب من المدرسة كما ذكرنا، فقد جاء في صحيفة الأهرام: كان أمرًا غريبًا أن تتجاوز أرقام الغياب نصف تلاميذ المدرسة، وباتت الفصول الدراسية شبه خاوية نتيجة لغياب التلاميذ، ولم يكن أمام ناظر المدرسة إلا أن يفزع إلى مدير أمن الجيزة ويضع أمامه أبعاد المشكلة والمخاطر التي تهدد مستقبل التلاميذ، وضرورة التوصل إلى حقيقة الأمر قبل أن يتفاقم الخطر وتمتد العدوى إلى باقي التلاميذ.
فلم يكن ناظر المدرسة وحده الذي يعاني من مشكلة غياب تلاميذ مدرسته، فقد كانت مشكلة عامة عانت منها بعض المدارس الأخرى المجاورة التي تجاوز فيها أعداد الغائبين من تلاميذ تلك المدرسة النسب المعقولة، وأحال مدير الأمن بلاغ ناظر المدرسة لمدير المباحث لدراسته، وقاد رئيس قسم مكافحة جرائم الآداب العامة فريقًا للبحث، وبدأ تنفيذ خطة العمل بالانتشار في الأماكن القريبة من المدرسة والمدارس المجاورة، ومراقبة التلاميذ في خفاء، ومتابعة خطواتهم والطرق التي يسلكونها، ولم يدم الأمر طويلًا وبدأت الحقائق تتكشف حين تبين أن معظم التلاميذ يسلكون طريقًا واحدًا يؤدي إلى حظيرة مواشي يتوقفون أمامها قليلًا لترقب الطريق، ثم يسرعون بعدها بالدخول في حذر حيث يقضون الساعات الطويلة بداخلها إلى حين حلول موعد انصرافهم من المدرسة، ويعودون بعد ذلك إلى بيوتهم.
واكتملت الصورة، ولم يتبق سوى معرفة ما يدور داخل المكان، حتى تمكن ضابط الآداب من التسلل إلى داخل الحظيرة بعد أن دفع مبلغًا من المال في الوقت الذي انتشر فيه رجال الكمين لمحاصرة المكان، وكانت المفاجأة أن وجد الضابط أن حظيرة مواش مظلمة قد امتلأت عن آخرها بتلاميذ المدارس الهاربين الذين جلسوا متراصين على مقاعد خشبية، واستغرقوا في مشاهدة أحد أفلام الفيديو القذرة، فألقي القبض على صاحب الحظيرة وعلى التلاميذ، وتمت مصادرة مجموعة شرائط الفيديو.
هذا من الحصاد المر الذي جناه المسلمون من هذا الجهاز.
أيضًا أضعف الجهاز سلطان الأسرة، فاضمحلت القيم والآداب التي كانت الأسرة تعلمها، وحل محلها قيم التلفزيون المشتقة من الأفلام والمسرحيات والتمثيليات، عطلت الأمور النافعة التي كان يمارسها الأبناء والشباب كالقراءة والكتابة أو الرياضات النافعة، وإذا بالتلفزيون يصور الخمول والكسل والخواء الفكري لدى الإنسان، فلست أنت الذي تتحكم فيه بل هو الذي يتحكم فيك ويغير من نظم حياتك.
1 / 5
دور التلفاز في قلب المنكر معروفًا والمعروف منكرًا
من أسوأ آثار التلفاز -إن لم تكن أسوأها على الإطلاق- تعويد الناس على التغاضي عن كثير من الفضائل الاجتماعية، فهو يهدم ويحطم الأخلاق والأديان، ويبطش بالحياء والقيم، وينشر الرذيلة، ويقتل الأحاسيس، بحيث ينتهي الأمر إلى استمراء المنكر، بل استحسان المنكر والفرح الشديد بارتكابه.
ومن الأدلة الواقعية على ذلك أن الناس أصبحوا يقبلون أن رجلًا بحجة أنه أب لفتاة شابة يحتضنها، وهم يعلمون أنه أجنبي عنها وأن هذا تمثيل وكذب، ولكنهم صدقوا الكذب ولم يعودوا يستنكرونه، فهذا عندهم ليس منكرًا هذا أبوها! فيأخذونه بعفوية وكأنه أمر طبيعي وعادي.
ولم يعد يستنكر ما يقع بين رجال ونساء أجانب عنهم مما حرمه الله ﵎، بل من يمكن نفسه من هذا الإجرام وهذا الانحلال ويعيش الدور بصدق -كما يقولون- يقال عنه: الممثل المحترم، والممثلة القديرة -أي: على الفساد والانحلال- أما من يظهر عدم الانسجام فهذا ضيق الأفق، هذا إنسان متزمت متطرف، وتنطلق عبارات: إنهم يريدون أن يعيدونا إلى القرون الوسطى المظلمة والعصور الحجرية.
أيضًا صاروا لا ينكرون على المرأة المتزينة المتبرجة التي تظهر بأبهى زينتها حاسرة الرأس، كاشفة الشعر والرقبة والذراعين والساقين، ومع ذلك ربما يصفون هذه الممثلة أو هذه المذيعة بأنها محتشمة، فهي تكشف فقط شعرها ووجها ويديها وما إلى ذلك.
تعودت القلوب على مناظر احتساء الخمور، كأنك داخل الخمارة والحانة وأماكن الفساد والإجرام، تعودت العيون أن ترى هذه المناظر وهي قيم كفرية فاسقة خبيثة تتعود عليها هذه القلوب، احتساء الخمور، التدخين، إتيان الفواحش، السرقات، القتل، السباب بأقذع الألفاظ السوقية، توجيه اهتمام الناس إلى تعظيم كرة القدم، وأن الأبطال هم أبطال كرة القدم، وإذا كانت هناك مباراة دولية لكرة القدم أو شيء من هذا ترى -كما قال بعض الإخوة- البلد خاوية تمامًا، كأنه يوجد حظر تجوال، لا سيارات ولا مشاة، والمحلات مغلقة.
حتى قال بعض الإخوة: لو أن عدوًا من الأعداء أراد أن يحتل مصر بدون أن تطلق رصاصة واحدة تقاومه لاختار هذا الوقت؛ لأن الناس قابعون في بيوتهم أمام هذا الصنم، وانظر إلى الناس في ساعة صلاة الجمعة تجد وسائل المواصلات تعمل، والشوارع مزدحمة بالسيارات، والناس يمشون في الشوارع، وكأنك لست في بلد من بلاد المسلمين بشغل هذا الجهاز الخبيث.
أيضًا إبراز برامج الرقص والخلاعة وأمثال هذه الأشياء، حتى عندما تسأل الطفلة الصغيرة: ما أملك في الحياة؟ تقول: أريد أن أكون راقصة مثل فلانة، أو مغنية مثل فلانة.
فلا حول ولا قوة إلا بالله! هل هؤلاء هم أبناء المسلمين؟
1 / 6
تناقض المواقف بيننا وبين الغرب في محاربة التلفاز
وهو تناقض غريب جدًا، فإننا بقدر ما نتهاون بقدر ما يحرص الكفار على حماية أبنائهم من هذا الجهاز الخبيث، مع أنهم كفار لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، تجد -مثلًا- المدرسة الألمانية في الإسكندرية تأتي بالآباء وتعمل لهم فرزًا شديدًا جدًا للآباء والأمهات والأطفال، وتقيم لهم مختبرات الذكاء، ثم يوقع الأبوان إقرارًا أن أولادهما إذا عادوا من المدرسة لا يشاهدون التلفزيون، هؤلاء لا يتدينون بذلك، لكن يقولون: إن التربية التلفزيونية تسير في خط موازٍ ومضاد للتربية التي تنتهجها هذه المدرسة، هذه تلغي مفعول تلك، ولذلك يوقع الأب والأم على إقرار أنه إذا طلب الطفل النظر إلى التلفزيون ونظر فالمدرسة غير مسئولة عن أي آثار تربوية تظهر في سلوكه، وتقول المدرسة: هذا أتى منكم أنتم وليس من طرفنا نحن.
في حين تجد في مدرسة أخرى، وفي مكان اجتماع مجلس الآباء والمعلمين أتت امرأة متبرجة منسوبة ومحسوبة على الإسلام، أتت تصرخ وتشتكي وتضج وتصيح في اجتماع مجلس الآباء، وتقول: لابد من أن تبحثوا لي عن السبب، من الذي فعل بابني هكذا؟ لابد من أن عندكم هنا في المدرسة أناسًا متطرفين.
تقول لهم: إن ابني حينما يجلس عند التلفزيون إذا رأى راقصة أو شيئًا من هذه المناظر فإنه يضع بصره في الأرض ويرفض أن ينظر، فقولوا لي: من المسئول؟ أنتم متطرفون، أنتم تعلمون ابني التطرف، ابحثوا لي عن المسئول عن ذلك؟ أجاب مدير المدرسة: أبدًا.
نحن أبرياء من هذا التطرف، نحن لا نعلمه ذلك، نحن نلتزم كاملًا بمنهج الوزارة.
أيضًا التلفزيون يعد أستاذًا من أساتذة الجريمة، ففي إحدى البرامج التلفزيونية أجريت مقابلة مع فتاة في الخامسة عشر من عمرها، رأت شخصًا في فلم يريد أن يقتل آخر فقطع مكابح السيارة، وكادت البنت أن تقتل أباها وأمها، فذهبت أيضًا لتقص فرامل السيارة لتقتلهما، لكن الأبوان اكتشفا الأمر بقدر من الله؛ لأن الفتاة أخطأت فقطعت بدل الفرامل سلكًا آخر أضاء إشارة إنذار حمراء، ولم يعرفا الفاعل.
فجربت الفتاة خطة أخرى، إذ ألقت صفيحة من البنزين على السيارة في داخل الجراش فانفجرت، فتنبه الأبوان في آخر لحظة فأسرعا يفتشان الجراش والبيت خوفًا على ابنتهما حتى لا تحترق، وكادا يختنقان لكثافة الدخان واكتشفا أن الفاعل هو ابنتهما، وعندما سئلت الفتاة عن السبب قالت: أبواي يضغطان علي كثيرًا للمذاكرة، وأخي أخفق، وهما يريدان مني تعويض إخفاقه، فنظرت إلى التلفزيون فتعلمت هذه الجريمة.
هذه الفكرة علمها إياها التلفزيون.
1 / 7
جيل التلفاز والمثل الأعلى
من أخطر الأشياء أن التلفزيون يؤثر في الأولاد عندما يأخذون منه المثل الأعلى في حياتهم، حيث يقلب القيم في نظرهم، فالشباب عامة ربما إذا سألته هل تتقن سورة الفاتحة أم لا لم يدر ما الجواب، وربما نجد بعضهم يجيب علينا، لكن لو سألته: ما هي الأسئلة التي ستتوجه إليك أول ما تنزل في قبرك؟ وإنك سوف تسأل عن ثلاثة أسئلة هل تعرف ما هي؟ كيف ستجيب عليها؟ وحين يسألك الملكان: من ربك وما دينك وماذا تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ﵌ كيف ستجيب؟ فإنه لا يعرف، لكنه يعرف أسماء الممثلين والممثلات، والألوان المفضلة لهم، والأكلة المفضلة لهم، وكم مرة تزوج، والراقصين والراقصات، وأسماءهم، وربما عناوينهم، ويعرف عنهم ما لا يعرفه عن أقربائه.
وهذا يضطرنا -للأسف الشديد- إلى حكاية أشياء نحب أن ننزه مجلس الذكر عن حكايتها، لكن ربما نلجأ أحيانًا لضرب الأمثلة؛ لأن هذا واقع نعيشه، والخطر قادم في كل بيت بهذا التغيير.
هذا نموذج يحكيه الشيخ مروان كجك، وهي مشكلة زوج يعاني من زوجته، وهي امرأة متعلمة وتعمل، وهي مغرمة بمشاهدة الأفلام التي تروي تاريخ حياة الراقصات، أو الأفلام التي تكون بطلتها (معلمة في قهوة بلدي) هذه المرأة تشجع طفلتها وهي في العاشرة من عمرها على المشاهدة أيضًا، والنتيجة أن الطفلة أصبحت تحاول إجادة الرقص البلدي أمام المرآة، إنه اغتيال البراءة والفطرة، وفي أوقات الفراغ فإن هذه الطفلة لا تلعب، وإنما تأتي بكوب وخرطوم لتجعل منه (شيشة)، وتطلب من زميلاتها أن ينادينها بصوت أجش: (يا معلمة!).
وقال صاحب الرسالة أيضًا: إن زوجته تشعر بالارتياح من أعمال الطفلة، وتقول: إنها موهوبة في التمثيل فهذا حصاد هذه التربية التلفزيونية الخبيثة، ماذا تنتظر؟ البنت تتعلم من مثل هذه الممثلة كيف تسلك هذه المسالك، لذلك لا تعجب إذا كانوا يسمون الفاسق الفاجر المجرم (البطل)، بدل أن يقال: الفاسق الصادّ عن سبيل الله عدو الله وعدو رسول الله يقال: (البطل).
المطربة أو المغنية معبودة الجماهير، وسبحان المعبود! يعبدونها عبادة، ولعلك تذكر حديث جريج العابد، فقد كان جريج يتعبد في صومعة، فأتته أمه وهو يصلي فنادته.
فقال: أي رب! أمي وصلاتي؟ يعني: أيهما أقدم: هل أجيب أمي أم أكمل صلاتي؟ فنادته الثانية.
فقال: أي رب! أمي وصلاتي.
فأقبل على صلاته.
ونادته الثالثة فقال: أي رب! أمي وصلاتي.
وكان لابد له من أن يقطع الصلاة ويجيب أمه برًا بها.
فدعت عليه أمه أن يعاقب عقوبة شديدة، وما كانت هذه العقوبة؟ لقد دعت عليه أن لا يموت حتى ينظر في وجوه الزانيات، دعت عليه بهذه الدعوة، فإذًا هذه عقوبة؛ لأن النظر إلى وجوه الفساق والظالمين يفسد القلوب ويطبع فيها السموم ويمرض القلوب، بعكس النظر إلى الصالحين الذين إذا رأيتهم ذكرت الله ﵎.
فانظر كيف أن المسلمين صاروا طواعية لا ينظرون إلى هذا عن عقوبة، لكنهم يستحسنون النظر إلى وجوه المجرمات الفاسقات، ويتقدمون بأنفسهم إلى هذا الجهاز الخبيث ويستجلبونه حتى ينظر أبناؤهم وشبابهم إلى هؤلاء النساء المجرمات اللاتي يسمونهن (البطلات) معبودات الجماهير.
يقول الكاتب محمد عبد الله السمان مشيرًا إلى حلقة تلفزيونية استضيف فيها بعض الطلبة من مدرسة معروفة، يقول: كان من المتوقع أن تكون الحلقة إلى آخر دقيقة فيها بالطلبة المتفوقين، وتكون حلقة من الحلقات الجادة التي يتلقى منها سائر الطلبة دروسًا في التفوق، ولكن مقدم البرنامج سأل الطلبة واحدًا واحدًا عن مثله الأعلى في الحياة؟ وكانت الإجابات مذهلة، فالمثل الأعلى لدى الطلبة المتفوقين هم على الترتيب -ولست أدري أهو ترتيب تصاعدي أم تنازلي-: عبد الحليم حافظ، بليغ حمدي، نزار قباني، محمد عبد الوهاب، أنيس منصور.
وقلت تعقيبًا على هذه الإجابات: لم أكن أنتظر من هؤلاء الطلبة المتفوقين أن يقولوا: إن مثلنا الأعلى أبو بكر أو عمر أو علي أو خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنهم، بل كنت أتوقع أن يقول واحدٌ منهم: إن مثلي الأعلى هو أبي.
إلا أنه ما وجد في أبيه مثله الأعلى، وإلا فلو أحسن أبوه تربيته لما عمد إلى هذه الزبالة كي يتخذهم قدوة ومثلًا أعلى في الحياة.
1 / 8
جيل التلفزيون وشيوع الإجرام والرذيلة
إن تأثير التلفاز تأثير وبائي عام، لما يتسم به من جماهيرية وشمولية، ولا يمكن الزعم بأن هذا الوباء غير ضار لأنه نجى منه بعض الناس.
يقول دكتور يسمى استيفن محاضر في جامعة كالفورنيا، يقول هذا وهو رجل كافر نصراني أو يهودي الله أعلم به.
يقول: إذا كان السجن هو جامعة الجريمة فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث.
طفل فرنسي عمره خمس سنوات أطلق رصاصة على جار له عمره سبع سنوات، وأصابه إصابة خطيرة بعد أن رفض الأخير إعطاءه قطعة من اللبان، وقد ذكر في أقواله للشرطة أنه تعلم كيف يحشو بندقية والده عن طريق مشاهدة الأفلام في التلفزيون.
ولذلك كتب أستاذ التاريخ الدكتور شاكر مصطفى عن جيل التلفزيون قائلًا: أبناؤنا هم أبناء وسائل الإعلام التي أفسدت الأسرة لدينا إفسادًا، ودمرت كل مفاهيمها وآدابها، وكان قد قدم التلفزيون هذه الأمثلة كلها من خلال بحوث مجموعة أصلًا في هذا الأمر، قدم شخصية بطل طائر غير طبيعي يسمونه كذا العجيب منذ سنوات، حاول أحد الأطفال أن يقلد هذا المخلوق العجيب عندما طار من شرفة المنزل محاولًا تقليد هذا البطل العجيب فكان فيها هلاكه.
فما من شك في آثاره في نشر الجريمة والعنف، وإضعاف الأشخاص، وشيوع الرذيلة، وتشييع الفاحشة وتزيينها في نظر الناس، وشيوع أساليب النصب والاحتيال، والسلبية، والتراخي، وتخريب البيوت.
ويتحدث عما تثيره مسلسلات التلفزيون وأفلام الفيديو من تنغيص الحياة الزوجية، يقول: وحدث عن ذلك ولا حرج، ومن المؤسف حقًا أن كثيرًا من مشاهدي التلفزيون يجهلون أن هذه البيوت الواسعة والفرش المتنوعة ليست سوى أستديوهات قد أنشأت خصيصًا لتأجيرها للمنتجين الذين يصورون فيها مسلسلاتهم وأفلامهم، وهي ليست ملكًا للممثلة، هم يعتقدون أن هذا ملك للممثلة، الحدائق والخدم والحشم والأجهزة الحديثة والأثاث الرفيع وكذا وكذا، فتبدأ الزوجة في المقارنة بين ما تعيش فيه من ضيق وضنك وبين هذه الممثلة: انظر إلى الغنى، انظر إلى البيت الواسع المؤثث.
فهي لا تتصور أن هذه أشياء مؤجرة لكن تتصور أن هذا ملك للممثلة، ويصدقون الكذب.
فهذه الخدعة الماكرة تصيب النساء بالتأفف من حياتهن؛ لأنهن يعشن في بيوت متواضعة تخلوا من مظاهر الأبهة التي تعيش فيها الممثلات.
أيضًا الزوجة التلفزيونية في الأفلام والمسرحيات والتمثيليات يأتون لها بطريقة المعاملة بين الرجل وبين المرأة، بين الزوج والزوجة، مشتملة على الرقة والخلو من المشاكل والحنو والعطف وكذا وكذا، فتبدأ تقارن كيف يمكث معها وكيف يحصل بينهما المودة، في حين هذا الزوج يرجع مكدودًا منغصًا عليه عيشته من السعي في جلب لقمة العيش لها ولأولادها ولا تعذره في ذلك، فتقارن بينه وبين ذلك الممثل، هذا ممثل، وهذا عمله، هو يعمل ممثلًا كذابًا ويتصنع، وهم أبعد الناس عن الابتسامة التي يرسمونها، وأبعد الناس عن الرقة التي يتظاهرون بها، هم أخبث الناس وأسقطهم وأهونهم في المجتمع.
1 / 9
آثار التلفاز على الحفظ والذاكرة
يعمل التلفاز على استفراغ طاقة الأبناء على الحفظ والتذكر بما يبثه من أغان واستعراضات جذابة، فتجد أن الأطفال يحفظون أغاني الإعلانات ويرددون شعاراتها، وبذلك ترسخ في نفوسهم قيم وأذواق الممثلين والمغنيات، فأنت تأتي بدروس خصوصية في البيت كل يوم، وتعلم بنتك كيف تعشق، وكيف تحب الولد، وإذا جلست معه ماذا تفعل.
أتبكي على لبنى وأنت قتلتها لقد ذهبت لبنى فما أنت فاعل يداك أوكتا وفوك نفخ فالأطفال يحفظون الأغاني ويرددون شعاراتها، وتربيهم الممثلات والفنانون، أتعرف ما معنى (الفنان) في لغة العرب؟ الحمار المخطط، هذا هو الفنان، فهؤلاء هم الذين يربون أولادك، تربية الممثلين تربية البارات والخمارات والحانات التي انتقلت إلى داخل بيوت المسلمين، فيا حسرة على العباد! كيف ومتى يحفظ هؤلاء الأطفال القرآن، هل يجتمع القرآن كلام الله الذي قال تعالى عنه: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر:١٧] هل يجتمع مع الأغاني والإعلانات والتمثيليات وأسماء المطربين والمطربات.
كلا.
لا يجامع القرآن غيره، قرآن الرحمن ومزمار الشيطان لا يجتمعان.
1 / 10
أهداف برامج التلفاز
تدور المسرحيات والأفلام وهذه الأشياء حول ضررين لا ثالث لهما، الضحك بمجرد الضحك، الضحك القائم على الكذب وربما دس فيه السخرية من شريعة الإسلام، وربما أضحكوا الناس على المتدينين وأهل طاعة الله وأولياء الرحمن ﷿، السخرية والضحك التافه، الضحك الذي يلقي صاحبه في جهنم، كما يقول النبي ﷺ: (ويل له ويل له ويله له قالوا: من يا رسول الله؟ قال: الذي يكذب ليضحك الناس.
فقال الصحابة للنبي: إنك تمازحنا! قال: نعم ولكني لا أقول إلا حقًا) ﵌، ويقول ﷺ: (إياكم وكثرة الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب)، فهذا هو الهدف الأول.
أما الهدف الآخر الذي تدور حوله كل البرامج والأفلام والمسرحيات والتمثيليات فهو قيم الحب والغرام والعشق والهيام ونحو هذه المعاني، وكأن هذه هي المشكلة الوحيدة في هذه الأمة، حلت كل المشاكل وما أصبحت غير مشكلة هذه الفتاة التي أحبت ذلك الولد وجرت بينهما هذه الأشياء المكررة، من أجل صد الناس عن سبيل الله ﵎، وفي خلال ذلك يبثون السموم، ويصبح الخمر والدخان هو الحل الأول إذا بدرت مشكلة، إذا وقعت مشكلة لا يلجأ ولا يرجع إلى الاستخارة، أو الدعاء، أو الصلاة كما كان يفعل ﵊، لا.
بل أول حل إذا وقعت مشكلة أن يشعل السيجارة أو يشرب الخمر، هذا هو المخرج من الضائقات عند هؤلاء وأمثالهم.
فالتلفزيون انتزع وسرق زمام القيادة من الآباء والأمهات، حتى يصح أن نعتبر هذا الجيل التلفزيوني ابن التلفزيون، هؤلاء هم أبناء التلفزيون وليسوا أبناء أبويهم، أهملهم الآباء، بل الآباء عندما يريدون أن يستريحوا من الضوضاء يفتحون لهم التلفزيون حتى يستريحوا منهم، ويسلمونهم إلى هذا الخبيث وهم عجينة غضة طرية يشكلونها كما شاؤوا، حتى سماه بعضهم (الوالد الثالث)، أو (الأب الثالث).
1 / 11
مفاسد التلفاز الشرعية
يتناول القائمون على البرامج من خلال برامجهم الخبيثة تشويه بعض الأحكام والمفاهيم الإسلامية الثابتة، بل قد يتوصلون إلى الطعن في الشريعة الإسلامية، فيأتون مثلًا لقضية الطلاق التي هي من مميزات هذا الدين، حتى إن العالم الغربي الكافر اضطر أخيرًا إليها، وبعدما كانوا يعيرون الإسلام بنظام الطلاق اضطروا اضطرارًا إلى تشريع الطلاق، ومن الذي يكتب القصة؟ إنسان خبيث عنده هدف يريد أن يحققه من خلال القصة، فيأتيك بامرأة ناشز متحللة، ومع ذلك هو يصنع هذه الشخصيات، ثم يظهرها في صورة المظلومة المقهورة، وأن المرأة مستعبدة بسبب الإسلام وبسبب هذا الزوج الرجعي المتزمت، وهو الذي تحكم في صفات الفريقين، ثم بعد ذلك يبين كيف أن الرجل يتخلص من المرأة باستعمال سلاح الطلاق، وأن الطلاق عبارة عن كلمة تلقى بلا مسئولية، وجزافًا بلا مبالاة، وأنه بمجرد خروج هذه الكلمة تتمزق الأسرة وتهدم جدرانها، مع أن تشريع الطلاق في الإسلام أسمى وأعلى من أن يكون كذلك، لكنهم يركزون على الأخطاء الفردية، ويوهمون الناس أن هذا هو الأصل في المجتمع الإسلامي، وهذا هو الأصل في تشريع الطلاق، مما يزعزع يقين الناس بتشريعات القرآن ويجرئهم على التطاول عليها، والعياذ بالله.
1 / 12
خطر التلفاز كوسيلة إعلامية
من المعلوم أن الإنسان يحصل على المعلومات إذا كانت بطريق النظر بنسبة تسعين في المائة، ويحصل على المعلومات عن طريق السمع كما أن العين تجذبها الحركة أكثر من أي شيء آخر.
وإذا أرادنا أن نستشعر خطورة قضية هذا الجهاز علينا أن نسأل أنفسنا، لماذا تتسابق أمريكا وفرنسا والعالم الغربي على أن يبثوا إلينا البث المباشر؟! ليس هذا فحسب بل يعطونه إيانا منحة وهدية، لماذا؟ هل يجمعون الضرائب من مواطنيهم من أجل أن يتصدقوا علينا، وهل يريدون بنا الخير والسلامة والعافية، أم أنهم هم الذين قال الله ﵎ فيهم: ﴿أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة:٢٢١]؟ نعم هؤلاء هم الذين قال الله ﵎ في حقهم: ﴿وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ﴾ [آل عمران:١١٩]، وقال: ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة:٢١٧]، وهم الذين قال الله فيهم: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾ [آل عمران:١١٨].
سؤال آخر نسأل أنفسنا إياه يبين لنا خطورة هذا الجهاز، التلفزيون ليس مجرد جهاز كهربائي موجود كغسالة أو ثلاجة أو نحوهما، كلا.
إن التلفزيون موجه تربوي وله رسالة يؤديها، وليس مجرد تسلية، إنه موجه يوجه الناس إلى أهداف محددة، وإذا أردنا أن نستشعر خطورة التلفزيون كأقوى جهاز إعلامي ينطبق عليه المثل القائل: فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب إذا سمعت عند حدوث أي انقلاب عسكري في أي مكان في الدنيا فإن أول ما يبدأ به الانقلابيون هو الاستيلاء على الإذاعة والتلفزيون، لماذا؟ لأن بهما يمكن أن توجه الجيوش التي لم يتمكنوا منها من بعد، هذا الجهاز الذي يسميه بعض الإعلاميين بالمخدر الكهربائي، بل المخدرات التي يدمنها الناس يقعون في أسر هذا الجهاز، ذلك الأسر الذي لا يضاهيه سوى الأسر العسكري، لكن الأسر العسكري إذا قدر لصاحبه الخلاص منه خرج مرفوع الجبين، أما من يقع في الأسر التلفزيوني فإنه يوم يتمكن من الفرار والإفلات من الشاشة فإنه يمضي مهدود القوى نادمًا ولا يكاد أن يرفع له رأس.
1 / 13
مفاسد التلفاز المادية على الناس
لقد فاقت جاذبية التلفزيون كل حد حتى أضحت إدمانًا استسلمت له طوائف كثيرة من الناس، ودخل التلفزيون إلى المصنع والمتجر وأكشاك السجائر والمرطبات، ورافق المسافرين في مركباتهم، والمتنزهين في نزهاتهم، حتى أصبح الرفيق الدائم الذي لا يمل، والسمير المستعلي الذي لا ينفك عن اللهو وترهات القول، حتى الطعام يتناوله الناس وهم يشاهدونه، وهذا يشعر إلى أي مدى تعلق الناس به، حتى إنهم في المحلات التجارية لا يتصورون العيش بدونه، وبلغت الفتنة به إلى أنهم بعدما كانوا في السابق يأتون بجهاز واحد في البيت أصبحوا بعد ذلك يأتون بجهازين أحدهما يستعمل والثاني احتياطي، فإذا تعطل الجهاز الأول لا يطيقون أن يعيشوا بدونه كأنه هواء يتنفسونه، فلابد من وجود جهاز آخر.
ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى أن حدثت موضة جديدة، وهي أن يكون هناك مراعاة للذوق والآداب والحياء والقيم، وحتى لا يجلس الأولاد مع الأبوين وهما يشاهدان المناظر الخليعة، فكيف حلت المشكلة؟ أن يشتري الأب تلفزيونًا خاصًا ويضعه في غرفة النوم، ويضع تلفزيونًا آخر في غرفة الأولاد، هذه هي المروءة والشهامة والغيرة، كيف يجلسان معًا وينظران إلى هذه الأشياء؟ وهذا يذكرنا بذلك الممثل الفاسق الذي كانت زوجته تمثل دورًا من الأدوار القذرة الإجرامية مع أحد الممثلين، فالشهامة والغيرة والرجولة والنخوة اقتضت منه أنه يرفض أن يتم تسجيل هذه المشاهد في وجود أي شخص في داخل الأستوديو، فأمر بإخراج كل من في الأستوديو حتى لا يروا زوجته وهي تمثل هذه المشاهد.
انظر كيف انتكست قلوبهم، وصارت عقولهم هباءً كأن لم تكن؟ أين النخوة؟ أين الشهامة؟ ربما جعلتك الشهامة تطرد خمسة أو ستة من الموجودين في الأستوديو حتى لا يروا زوجتك بهذه الحالة المزرية، وماذا عن الرجل الذي كان يصورها؟ ماذا عن الملايين من الناس الذين سيطالعون هذه الأشياء؟ ويقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن ما كاد هذا الجهاز يدخل بيتًا حتى شرعت كل البيوت لاحتضانه حتى البيوت الفقيرة المعدمة التي ربما يعوزها القوت اليومي، يقتطعون من قوتهم ليأتوا بهذه الأجهزة، ودخل هذا الخبيث وترفع في أزهى وأفضل مكان في صدر الدار بلا مقدمات، وانتشر في بيوت المسلمين انتشار النار في الهشيم.
1 / 14
الآثار الأخلاقية السيئة للتلفاز
إن الآثار والبصمات التي يطبعها هذا الجهاز على الأسرة إنما تسري وتنطبع في نفوسهم بهدوء وبطء وخفاء، ولا تظهر على مدى يوم أو يومين وإنما تظهر بمرور الوقت في صور ما يسمى بمشكلات التلفزيون.
لا شك أنه من المعلوم والملاحظ أن حال الناس -ولا حول ولا قوة إلا بالله- في يوم الإجازة ارتياد المساجد لصلاة الجماعة، لكن عندما يكون في نفس الوقت مباراة مهمة -كأنهم سيفتحون عكا وفلسطين والقدس- تجد المساجد خاوية، وتجد دروس العلم خاوية، حتى رواد المساجد يفتنون بهذه الصورة، ويضيعون صلاة الجماعة من أجل هذا الخبيث.
تجد النزاعات العائلية، دمر كل شيء، إذا دخل بيتًا أذن بخرابه، إذا دخل قرية أذن بخرابها، قطع الأواصر، وأفسد وخبب بين الزوجات والأزواج، وأثار النزاعات بين الآباء والأبناء، فمثلًا: إذا أراد الآباء -مراعاة للمروءة ومن باب الحكمة والوقار والهيبة- منع أولادهم من النظر إلى شيء معين إذا بالأولاد يقاومون، ومن ثمَّ تحصل النزاعات والصراعات بين أفراد الأسرة الواحدة، الأبناء يتشاجرون على القناة التي يريدون أن يروها، ثم إصرار الأبناء على السهر وانصرافهم عن واجباتهم محاكاة وتقليدًا لما يرونه من العنف والعدوانية، وأيضًا ما يقع من كثير من الشباب -وهم قد صاروا بالتلفزيون أطفالًا صغارًا غير راشدين- صاروا يعانون من النقص، ويحاولون إكمال هذا النقص عن طريق التقليد والمحاكاة.
لقد دمر التلفزيون الكثير من القيم والأخلاق الإسلامية، ولنذكر مثالًا على ذلك: شرع الله ﵎ الاستئذان، وما الحكمة من تشريع الاستئذان؟ قال الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ﴾ [النور:٥٨] إلى آخر الآية في سورة النور، حتى لا يطلعوا على العورات، وقد دمر التلفزيون هذه الحرمة، وضيع الحكمة من تشريع الاستئذان، أمر الشرع الأولاد والأطفال أن يستأذنوا قبل الدخول على الأبوين في أوقات خاصة من أجل الستر والصيانة والعفاف، لكن هذا الجهاز الخبيث هتك هذه الأستار، ولم يعد لهذه الأمور احترام ولا صيانة ولا سرية ولا ستر، بل تكشفت المرأة في هذا الجهاز بصورة مبتذلة ورخيصة، وفي إسفاف بالغ.
إذا تأملنا حديث أسماء بنت يزيد ﵂ حينما كانت عند رسول الله ﵌، والرجال والنساء قعود عنده -الرجال أمامه والنساء في الخلف-، فقال ﵊: (لعل رجلًا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟ فأرم القوم -سكت الصحابة وأحرجوا من هذا-، فقالت أسماء بنت يزيد ﵂: إي والله -يا رسول الله- إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون -اشتكتهم إلى النبي ﵊، فقالت: نعم -يا رسول الله- يفعلون ذلك، الرجال يتحدثون، والنساء أيضًا يفعلن نفس الشيء فيما بينهن- فغضب النبي ﵊ والسلام فقال: فلا تفعلوا -لا يتحدث الرجل ولا المرأة بما يكون بينهما من أمور خاصة- فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون)، فتأملوا هذا المثال فيما ضربه رسول الله ﵊، ضربه فيما يكون بين الزوجين، وهذا يكون في حدود ما أحل الله ﵎، فكيف إذا كان الذي يكشف ذلك هما شيطانان حقيقة من شياطين الإنس، وإذا كان الكلام في الحديث هنا في مجرد الحكاية فكيف إذا انضمت إليها المشاهدة والعياذ بالله، وقد قيل: حسبك من شر سماعه.
فكيف برؤيته؟!
1 / 15
مسئولية المسلمين تجاه أطفالهم
يتصور بعض الناس أن تربية الأطفال تقتصر على أن يطعمه الطعام الجيد ويلبسه الملابس الجيدة وغير ذلك، ولا يلتفت إطلاقًا إلى مسئوليته في تربية هؤلاء الأولاد، والرسول ﷺ يقول: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)، فليست المسألة تطوعًا ولا نافلة، بل إن هذا واجب، وسوف تحاسب عليه وتسأل أمام الله عنه.
يقول أيضًا ﷺ: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حتى ليسأل الرجل عن أهل بيته)، ويقول الله ﵎: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم:٦].
يقول الشيخ أبو حامد الغزالي ﵀: الولد أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق.
ويقول الشاعر: وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه وما دان الفتى حجًا ولكن يعوده التدين أقربوه ويقول ﷺ: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
وأيضًا في هذا الزمان أبواه يتلفزانه، فيجعلانه عبدًا للتلفزيون ومفاسد التلفزيون.
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب فإذا نشأ على الفساد لا يصلح بعد ذلك فيه شيء.
ودور الأب والأم الآن بسبب هذا الجهاز الخبيث في انحسار شديد جدًا، فالأب مشغول بالعمل، وربما الأم -أيضًا- تخرج للعمل، ثم يصبح الأطفال فريسة لهذا الجهاز الذي يتسلمهم وهم في طور التكوين عجينة رطبة يشكلها كيفما يشاء، ويتحكم فيها كاتبو برامجه، وقد يكون هؤلاء الكتاب من مرضى النفوس الذين يسقطون أمراضهم إسقاطًا نفسيًا خلال كتابتهم، وحسب موقف الأب يكون موقف الابن، إذا كان الأب يصيح في الولد ويهجره ويزجره: كيف تنظر إلى التلفزيون؟ ثم إذا به هو يغلق الحجرة وينظر فما من شك أن هذه القدوة السيئة ستؤثر في موقف الابن من هذا الجهاز.
لكن إذا كان الأب يحكي لأولاده ويعلمهم أن هذا الجهاز الخبيث جهاز حافل بالمعاصي التي تغضب الله ﵎، فيحذر ابنه باستمرار، ويبغضه في هذا الخبيث، حينئذ يصبح الموقف الطبيعي للابن أن يكره أيضًا هذا الجهاز، فيتعالى عن مشاهدة شيء لا يرضي والده؛ لأنه يثق بوالده ويقلده.
أيضًا الطفل عاجز عن أن يقوم بدور الرقابة على نفسه وحمايته مما يؤذيه في دينه أو دنياه، وهذه مسئولية أبيه، والأطفال ليسوا هم من يشتري الجهاز؛ لأنهم لا يستطيعون ذلك، وليسوا هم الذين ينتجون الأفلام والبرامج، فإذًا لابد أن يكون هناك رقابة وحماية من الأب لهذه الرعية المسكينة من أن تسقط فريسة لهذا الجهاز الخبيث.
والسلف ﵏ كانوا يهتمون اهتمامًا شديدًا بتربية الأولاد، حتى إن بعض هؤلاء في بعض العصور الإسلامية لما أتى بهم الحاكم بعدما سجنهم فترة فقال لهم: أخبرونا ما هو أشد شيء مر عليكم في هذا الحبس؟ فأجابوا جميعًا: ما فاتنا من تربية أولادنا.
لأنهم كانوا في هذه الفترة بعيدين عن أولادهم ولم يراقبوهم، فكيف بهذا الأب المعتدي الظالم المفرط الذي يأتي بهذا الجهاز لهؤلاء الأطفال المساكين فيسقطون ضحايا، ثم يعاقب الأولاد بعدما يفعلون الجرائم بأن يدخلوا في أماكن الأحداث، هو الذي يستحق أن يسجن وليس هؤلاء الأطفال الضحايا بجهل وظلم أبيهم.
فكم يقلق الأب إذا وجد ابنه قد ارتفعت حرارته وعانى من الحمى، أو حصل له اصفرار اللون، أو جرح عضو منه، ثم لا يبالي وهو يرى ابنه موغلًا في المعاصي التي تنتهي به إلى النار والعياذ بالله، ما الفرق بين أن تأتي ببرميل من البترول وتسكبه على ابنك وتشعل فيه النار وتحرقه، وبين أن تسلك به طريق جهنم بأن تجعل قدوته الممثلين والفنانين والساقطين والساقطات والراقصين والراقصات؟ فأنت تقتله، أنت تضر ولدك، وعدمك خير من وجودك؛ لأنه إذا كان يتيمًا ربما وجد من يعطف عليه ويرحمه من هذا العذاب ويحميه، لكن أنت أب شرير حينما تأتي بالجهاز وتضعه أمام أبنائك، وكيف يجلس الأب الذي لا رجولة فيه؟! بل كيف يقبل أن يجلس وبناته وأبناؤه إلى جواره يشاهدون معًا المناظر الخليعة القذرة التي يفعلها هؤلاء الفاسقون المجرمون؟! ماذا يفعل؟!
1 / 16
من جرائم التلفاز في حق المسلمين
مما يؤسف له أيضًا أننا بين الحين والآخر نضطر إلى ضرب أمثلة حتى تتحرك النخوة في هذه العقول التي طارت منها النخوة، يحكي الأستاذ مروان كجك يقول: روى لي أخ كريم أنه زار أستاذه الجامعي في بيته، وكان هذا الأستاذ نصرانيًا، فلاحظ الأخ أنه ليس لدى أستاذه تلفزيون، رجل يعبد المسيح، ويقول: إن الله ثالث ثلاثة فسأله: لماذا لا تضع تلفزيونًا في بيتك؟ فأجابه ذلك النصراني: أأنا مجنون حتى آتي إلى بيتي بمن يشاركني في تربية أبنائي؟! فالتلفزيون يعد الوالد الثالث الذي يحتل مرتبة في الأسرة تلي مرتبة الأب والأم، بل هي فوق مرتبة الأم والأب في بعض الأحيان، فهو ليس ضيفًا دائمًا وإنما هو مشارك في مفعولية إعداد وتربية أبنائنا.
وقاضي فرنسي يعمل في ميدان الأحداث يقول: لا يخالجني أي تردد في أن لبعض الأفلام وخاصة الأفلام البوليسية المثيرة معظم الأثر الضار على غالبية حالات الأحداث المنحرفين.
وإننا لهذا لسنا بحاجة إلى البحث عن أسباب عميقة وراء السلوك الإجرامي عند هؤلاء الأطفال أو المراهقين، والمرأة الناجحة تصبح هي المرأة التي تتخذ المرأة التلفزيونية أسوة وقدوة لها، فلابد أن تعدل في شخصيتها، وفي طريقة كلامها، وفي ملابسها، حتى تتشبه بهذه المرأة التلفزيونية بقدر الإمكان، والبطلة دائمًا تسكر، وتدخن، وتعربد، وتتبرج لكل غاد ورائح.
أيضًا تلقن هذه البرامج الأطفال والمراهقين فنون الغزل منذ نعومة أظفارهم، كيف يعشقون، كيف يكون لكل ولد بنت يمشي معها ويصاحبها ويدرس أخلاقها، وكل ما يجري من المفاسد المعروفة التي تفسد على المسلمين بيوتهم.
أيضًا يجعل المشاهير ممن يسمونهم نجومًا في عالم السينما والمسرح والرقص والملاهي الليلية يجعل هؤلاء هم المثل الأعلى، ويرسخ في أذهان الأجيال أن الراقصات والفنانات والممثلات ونجوم الكرة أهم بكثير من العلماء والشيوخ والدعاة والمدرسين والمهندسين والأطباء، ويكفي أن تلمح مظاهر الحداد لموت فنان أو فنانة وتقارنها بموت شيخ أو عالم أو داعية من دعاة الإسلام.
كنت مرة في مطار جدة فسمعت طفلًا صغيرًا يصيح بكلمة ما فهمتها، وكأنه يقول: (لولاك) أو: (لولاك حبيبتي) فلفت نظري، ولما نزلت في مطار الإسكندرية سمعت أطفالًا آخرين في المطار يقولون نفس الشيء ونفس الكلمة، وأمشي في الشوارع أسمع الأطفال يرددونها، فسألت: ما معنى هذه الكلمة؟ قالوا: هذه أغنية مما يذاع ويشاع، والأطفال يرددونها ويترنمون بها.
ومن الجرائم الكبرى للتلفزيون تزوير التاريخ الإسلامي، وتشويه بعض الصحابة أو الفاتحين أو المجاهدين كـ هارون الرشيد، وإذا ذكر هارون الرشيد ذكرت معه الجواري والخمور والمعازف، مع أن هذا الخليفة العظيم كان غازيًا حاجًا، يحج سنة ويجاهد في سبيل الله سنة، وهو الذي قال لـ نقفور ملك الروم لما غدر به فكتب إليه الجواب يقول فيه: من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم: وصلني كتابك، والجواب ما ترى لا ما تسمع يا ابن الكافرة.
وجهز له جيوشًا وأدبه تأديبًا، تلك كانت عزة الإسلام، ولما رأى السحابة في السماء قال لها: أمطري أو لا تمطري فسيأتيني خراجك.
فحتى نبغض الخلافة الإسلامية ننظر إلى الأتراك العثمانيين على أنهم محتلون، وأن الأتراك هؤلاء هم الاستعمار العثماني، يبغضوننا في أمجادنا، وفي نفس الوقت يضخمون أمامنا فساق الشرق والغرب والمغنيين ولاعبي الكرة والفارغين والتافهين؛ لكي يضعوا الحواجز بيننا وبين أمجادنا التي أخرجت خير أمة أخرجت للناس.
1 / 17
شبهات المقتنين للتلفاز والفيديو
1 / 18
شبهة كون التلفاز للترويح عن النفس بعد العبادة
من الشبهات التي يتشبث بها بعض الناس: (ساعة لربك وساعة لقلبك)، والحقيقة أن هذه هي قسمة ضيزى، هي ساعة أو سويعات أو دقائق أو ثوانٍ لربك إن كانت لربك، وساعات وأيام طوال وليالٍ لشيطانك، أو إن شئت: ساعة لربك وساعة لقلبك المريض بالنفاق والفساد.
وكأنها شركة تقسم، وهل أنت تعبد إلهين؟ أين أنت من قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ﴾ [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
فالإنسان لا بأس بأن يروح عن نفسه لكن في اللهو المباح والبريء، ولا يشترط حتى يشعر الإنسان بالسعادة أن يعصي الله ﵎، هناك صور كثيرة من الرياضات النافعة من اللهو المباح البريء الخالي من المعاصي يمكن أن تروح بها عن نفسك.
1 / 19
شبهة كون الأبناء قد أدمنوا على التلفاز
بعض الناس يقولون: فات الأوان، الوقت متأخر جدًا لإنقاذ أبنائنا وانتشالهم من هذا المستنقع الآثم، فهم أشربوا في قلوبهم حب التلفزيون، وغرقوا في إدمانه، فلا أمل في الخلاص بعد ذلك.
والجواب هو في قول الله ﷿: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:٢ - ٣]، وفي قول الله ﷿: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق:٤]، فالبداية هي النية الصادقة الجازمة، والعزم الأكيد على التوحيد الإيجابي، ثم التوكل على الله والسير حثيثًا في طريق مرضاته، ولنكن على يقين أن من ترك شيئًا لوجه الله أبدله الله خيرًا منه، ومن تقرب إليه ذراعًا تقرب الله إليه باعًا، ومن أتاه يمشي أتاه الله ﵎ هرولة.
حتى في البلاد الأوروبية وأمريكا الغالب على استعمال الفيديو وهذه الأجهزة الأشياء النافعة جدًا، برامج كاملة تعليمية، وفيها آيات من آيات الله ﵎ النافعة، واكتشافات علمية، وعلوم كثيرة جدًا تدرس من خلال الفيديو وأجهزة الفيديو، لكن هنا ما علم عن هذا الجهاز الشرير إلا الخبث والفساد، وكأنهم لا يصدرون إلينا إلا هذه الأشياء التي تحطم ديننا وتحصيناتنا الأخلاقية.
فالغالب عليه الفساد، ولا أحد يستطيع أن ينكر هذا أبدًا ولو زينها بمائة ثوب، ففي الحقيقة ما عرفنا عن الفيديو والتلفزيون إلا الفساد، أما البرامج النافعة فهذا يخدع نفسه، أين البرامج النافعة؟ حتى لو كان فيه نفع فهو كالخمر والميسر ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا﴾ [البقرة:٢١٩].
والقاعدة الفقهية المأخوذة من الحديث هي (لا ضر ولا ضرار)، وهذا ضرر يقيني في الدين، وإلا فمن يتخيل أنه يفتح التلفزيون ولا يسمع منه موسيقى، أو ينظر إلى امرأة فاسقة متبرجة، هذا بغض النظر عما عدا ذلك مما ذكرنا بعضه.
فلا يخلو أبدًا من فساد، هو شر كله ولا شك في هذا، ومن يغالط في هذا فهو إنسان مكابر، نحن نرى الآن في هذا الزمان من شدة الفساد الذي طغى على التلفزيون أناسًا غير ملتزمين بالدين، وربما لا يصلون، وتجد الواحد منهم يعمد إلى التلفزيون ويحطمه ويكسره لما رآه بعينه قد أوقع بين أولاده فسادًا وتطبيق الدروس التي يرونها من الانحلال والفساد.
فنحن لا نوجه كلامنا إلى الحكومة أو السياسيين أو الإعلاميين أو المنتجين أو المخرجين، ولكن هؤلاء إذا استمروا سادرين في غفلتهم مصرين على انحرافهم فما من شك أنهم ما أجبروك على أن تأتي بالجهاز في البيت، وتخرج من قوت أولادك وتشتري أحد هذين الجهازين الخبيثين أو كليهما، أنت الذي أتيت به، وأنت المسئول عن هذا المنكر، ما أجبرت عليه، أنت الذي أضرمت النار في نفسك وأولادك.
فإن كنت لا ترعوي ولا تنزجر بمثل هذا فلنحك هذه الحكاية -ونختم بها الحديث- لعلك تتخيل أنك حينما تدرج في أكفانك وتنكشف أمامك الحجب وترى الملائكة وتدرج في قبرك فلعل هذه الرؤيا الصالحة أو الصادقة -بتعبير أدق- التي رآها بعض الناس من قبل ممن كان قد أقتنى جهاز التلفزيون ثم مات تنفعك.
هذه القصة قصة شيخ كبير في السن كان سببًا في هداية أسرة بكاملها، كانت هذه الأسرة غافلة لاهية تقضي معظم وقتها أمام شاشة التلفزيون لمشاهدة الصور المحرمة، ومسلسلات الحب والغرام والهيام، فما هي تفاصيل القصة؟ يحكي هذا الشيخ فيقول: في يوم من أيام شهر رمضان المبارك كنت نائمًا في المسجد بعد صلاة الظهر، فرأيت فيما يرى النائم رجلًا أعرفه من أقاربي قد مات، ولم أكن أعلم أن في بيته تلفزيونًا، جاءني وأنا نائم في المنام فضربني بقدمه ضربة حتى كدت أن أصرع من ضربته، وقال لي: يا فلان! اذهب إلى أهلي وقل لهم بأن يخرجوا التلفزيون من بيتي.
قال الشيخ: في نفس الرؤيا كنت أرى التلفزيون في جانب من البيت وكأنه كلب أسود والعياذ بالله.
قال: فاستيقظت من نومي مذعورًا واستعذت بالله من الشيطان الرجيم وعدت إلى نومي، فجاءني في المنام مرة ثانية وضربني ضربة أقوى من الأولى، وقال لي: قم واذهب إلى أهلي وقل لهم أن يخرجوا التلفزيون من بيتي ولا يعذبونني به، قال: فاستيقظت مرة ثانية وهممت أن أقوم، ولكنني تثاقلت وعدت إلى نومي.
فجاءني في المرة الثالثة وضربني في هذه المرة ضربة أعظم من الضربتين الأوليين وقال لي: يا فلان! قم واذهب إلى أهلي وقل لهم بأن يخلصوني مما أنا فيه خلصك الله.
قال: فاستيقظت من نومي وعلمت أن الأمر حقيقة، فلما صليت التراويح من ذلك اليوم ذهبت إلى بيت صاحبي وهو قريب لي، فلما دخلت إذا بأهله وأولاده قد اجتمعوا عليه ينظرون إليه وكأن على رؤوسهم الطير، فجلست، فلما رأوني قالوا مستغربين: ما الذي جاء بك -يا فلان- في هذا الوقت؛ فليس هذا من عادتك؟ قال: فقلت لهم: جئت لأسألكم سؤالًا فأجيبوني: لو جاءكم مخبر وأخبركم أن أباكم في نار جهنم أو يعذب في قبره، هل ترضون بذلك؟ قالوا: لا.
ندفع كل ما نملك مقابل نجاة أبينا من العذاب.
قال: فأخبرتهم بما رأيته في المنام من حال أبيهم، فانفجروا جميعًا بالبكاء، وقام كبيرهم إلى ذلك الجهاز التلفزيون وكسره تكسيرًا أمام الجميع معلنًا التوبة، ولكن القصة لم تنته بعد.
قال الشيخ: فرأيته بعد ذلك في النوم فقال لي: خلصك الله كما خلصتني.
هذه عبرة من الواقع المشاهد وقعت مع هذا الرجل.
فمن منا يريد أن يخلصه الله؟ وهذا الرجل وجد من يخلصه فربما أنت لا تجد من يخلصك، تموت وتدرج في أكفانك وتصير وحيدًا في قبرك ثم تبقى هذه السنة السيئة التي أحدثتها وتركتها تفسد عليك أولادك وتبعدهم عن ربهم وتقطع عليهم الطريق إلى الله.
إن التلفزيون قاطع الطريق إلى الله، فهو يقطع عليك الطريق إلى الله، ويبعدك عن طاعة الله ﵎، فلا تقل أبدًا: أنا أضبطه، وأنا أتحكم فيه.
إنما هو الذي يتحكم فيك، لا تقل أبدًا: أنا أتركه وأثق من أولادي.
كلا؛ النساء ضعيفات القلوب، وربما أحيانًا العقول، حتى المسيح الدجال عندما يخرج فإن الرجال يقيدون النساء بالحبال ويوثقونهن بها في البيوت من شدة افتتانهن بالمسيح الدجال، فكيف تعرض زوجتك للفتنة؟ كيف تعرض بناتك للفتنة؟ كيف تعرض أولادك لعشق الممثلة الفلانية، والتلذذ بالنظر للمذيعة الفلانية، وتسلم قلوبهم لهذه السموم ثم تحسب بعد ذلك أنك على شيء؟! فالتوبة بابها مفتوح لمن أراد النجاة، ولا سبيل في مجتمعنا للتعامل مع هذا الجهاز إلا أن تعمد الآن إلى تكسيره وتلقيه على المزبلة في المكان اللائق به، متى يأتي هذا اليوم الذي نجد أكوام القمامة كدست فيها أجهزة التلفزيون في توبة جماعية من جميع المسلمين حتى ينزل الله علينا المطر الذي أمسكته السماء؟ يقول النبي ﵊: (يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن -كان يتعوذ أن يدرك هذه الأيام- لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا من قبل، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا).
1 / 20