16

وأما وجه تقديم الرحمن على الرحيم ، فقيل : لما كان الملتفت اليه بالقصد الاول في مقام العظمة والكبرياء ، جلائل النعم وعظائمها دون دقائقها ، قدم الرحمن واردف بالرحيم كالتتمة ، تنبيها على ان الكل منه ، وان عنايته شاملة لذرات الوجود ، كيلا يتوهم أن محقرات الامور لا تليق بذاته ، فيحتشم عنه من سؤالها.

ففيه اشارة الى ان العاقل ينبغي له ان يرجع في حوائجه كلها اليه وينزلها به ، جليلة كانت او حقيرة ، ولا يأنف من رفع المحقرات اليه ، فانه غاية التوكل عليه.

يا موسى سلني كل ما تحتاج اليه حتى علف شاتك وملح عجينك.

* مالك يوم الدين .

لما وصف الله سبحانه نفسه بالرحمن الرحيم الدالين على كمال لطفه واحسانه وجوده وامتنانه على العباد في الاخرة والاولى ، اوجب ذلك غرورا ، وغلب به الرجاء على الخوف ، بل صار رجاء بحتا ، فكان موضع طغيان ومحل عصيان.

فعقب ذلك بما يدل على غاية قدرته ، وكمال سطوته في يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يؤمئذ لله ، دفعا لذلك الغرور ، وحسما لمادة الشرور.

فهذه الاضافة والتخصيص للتهويل والتخويف ، وبذلك يصير الرجاء معادلا للخوف ، بحيث لا يرجح احدهما على الاخر.

فهذا في الحقيقة اشارة الى اسباب الخوف والرجاء ، فالرحمن الرحيم ينشأ منهما الرجاء ، ومالك وملك يوم الدين يورثان الخوف لمكان الجزاء.

صفحة ٤٦