ثم رأيتها تقبل على رجل يجلس وحده في الركن المواجه لي، وتبينت من خلال ضحكاتها الحلوة بعض كلماتها: سجق بالبطاطس، شربة بالمكرونة وذيل الحصان!
وانقضت لحظات قبل أن تعود إلي وتجلس في مواجهتي. - هل تعلم حكاية هذا الهر؟ - وما هي حكايته يا بربارا؟
وعقدت يديها على خديها، وأغمضت عينيها الخضراوين الجميلتين، وبدت كأنها تسترسل في حلم طويل، وطال صمتها، فقلت: يا بربارا! هل نمت؟!
قالت وهي تتأملني بعينيها الحزينتين: أنا حزينة من أجل الهر فريدريش. - ولماذا يا بربارا؟
فعقدت جبهتها وقالت غاضبة: هل تعلم أنه لم يبع شيئا أمس؟
قلت: وماذا يبيع الهر فريدريش؟ خضارا أو فاكهة؟
قالت مستاءة: أوه! إنك لم تفهم، لم يبع ولا قصيدة!
قلت: إذن فهو شاعر؟
قالت في حماس: نعم، نعم، كتب في الأسبوع الماضي قصيدتين جديدتين وطاف بهما على كل الجرائد والمجلات في المدينة، آه! زمن شرير، ناس شريرون، ولا جريدة قبلت أن تنشر له بيتا واحدا، أوف فيدرزين! أوف فيدرزين هر شتاين. إلى الأحد القادم تحياتي للغابة السوداء. وكل الخنازير التي فيها. أوف فيدرزين!
كان الفلاح وزوجته قد تهيآ للانصراف، أقبل الرجل على بربارا فسلم عليها، وانحنت زوجته فطبعت قبلة على جبينها، وأحنيت رأسي لأرد على تحيتها، ثم تنقلت ببصري إلى الشاعر الذي يجلس وحده. كان يجلس إلى المائدة وظهره لي، ورأيت كيف يكون الشعر الطويل المنفوش ضرورة للفنانين والشعراء، قلت في نفسي: لا بد أن يكون له وجه نحيل مستطيل، وعينان باكيتان وقامة شامخة.
صفحة غير معروفة