وطرب الموالي طربا شديدا لما مدحهم جرير بن الخطفى ببيت قال فيه:
فيجمعنا والغر أولاد سادة
أب لا يبالي بعده من تغدرا
فاجتمعوا حوله يسلمون عليه، ويسألونه كيف أنت يا أبا حزرة؟ وأهدوا له مائة حلة!
20
بل احتقر العرب طائفة المولدين الذين ذكرنا طرفا من نبوغهم، وخصائصهم في الفصل السابق، وسموا ابن العربي من الأمة «الهجين». قال في لسان العرب: الهجنة من الكلام ما يعيبك، والهجين: العربي ابن الأمة لأنه معيب.
21
قال ابن عبد ربه: «وكانت بنو أمية لا تستخلف بني الإماء، وقالوا: لا تصلح لهم العرب.» ويقول الأصمعي: في تعليله ذلك: «إن الناس يرون أن امتناعهم عن توليتهم كان للاستهانة بهم. وإن هذا غير صحيح؛ إنما كانوا يمتنعون عن توليتهم لأن بني أمية كانوا يرون أن زوال ملكهم على يد ابن أم ولد.» ونحن أميل إلى تعليل الناس من تعليل الأصمعي؛ لأن قولهم هو الذي يتمشى مع الواقع والمنطق الصحيح. وسياسة بني أمية كلها تؤيد ذلك؛ فهم إذا اختاروا واليا راعوا عربيته، وإذا اختاروا قاضيا أو إماما يصلي بالناس راعوا ذلك. وليسوا في هذا يرجعون إلى ضرب من التنجيم كما يزعم الأصمعي. وقد لاقى بنو أمية كثيرا من العنت لتعيين خالد بن عبد الله القسري واليا على العراق، ولاقى هو كثيرا من هجو الشعراء لأن أمه أمة رومية. وأكبر دليل على نقض قول الأصمعي: أنهم ولوا فعلا يزيد بن الوليد وإبراهيم بن الوليد، ومروان بن محمد، وأمهاتهم إماء! ولو كانوا يعتقدون بالتهجين ما ولوهم؛ إنما الحكمة في توليتهم أن الموالي بدءوا يقوون في آخر العهد الأموي، فاضطر الناس لضرب من الخضوع أمام قوتهم.
وذهب أعرابي إلى سوار القاضي، فقال: إن أبي مات، وتركني وأخا لي، وخط خطين ناحية، ثم قال: وهجينا لنا، ثم خط خطا آخر ناحية ، ثم قال: كيف ينقسم المال بيننا؟ فقال : المال بينكم ثلاثا إن لم يكن وارث غيركم. فقال له: لا أحسبك فهمت! إنه تركني، وأخي، وهجينا لنا. فقال سوار: المال بينكم سواء، فقال الأعرابي: أيأخذ الهجين كما آخذ ويأخذ أخي؟ قال: أجل! فغضب الأعرابي، وقال: تعلم والله إنك قليل الخالات بالدهناء!
22
صفحة غير معروفة