فإن قال: أفتزعمون أن التوفيق يتقدم الطاعة التي هي توفيق لها؟ قيل له: نعم. فإن قال: أفتزعمون أن جميع النعم التي هي مع هذا الموفق هي توفيق؟ قيل له: بل لا نقول ذلك؛ لأن كثيرا من النعم التي هي معه موجودة قبل هذه الطاعات بأوقات كبيرة، فقد كان محتاجا معها إلى أن يوفقه الله تعالى لهذه الطاعات، فعلمنا أن التوفيق الذي كان إليه محتاجا مع هذه النعم المتقدمة هو غيرها، وهو لطف يحدث قبل الطاعات بوقت.
فإن قال: أفتزعمون أن التوفيق ثواب؟ قيل له: لا؛ لأن التوفيق لا بد من أن يكون مجازا للطاعات، لأن الطاعات يتفق به لفاعلها فإذا كان متقدما للطاعات لم يجز أن يكون ثوابا. وأيضا: فإن الثواب إنما هو ثواب على ما كان من الطاعات، والتوفيق لا يكون توفيقا إلا للطاعات المستقبلة؛ لأن هذا الداعي لا يجوز أن يقول: اللهم وفقني لما سلف من طاعتك؛ لأن هذا محال عند جماعة أهل اللغة. وإنما وجه الدعاء عندهم في ذلك جميعا أن يقول: اللهم تقبل مني ما سلف من طاعتك، ووفقني لطاعتك في مستقبل عمري، واغفر [لي] ما سلف من معاصيك، واعصمني في مستقبل عمري من معاصيك.
والمغفرة والقبول هما الثواب؛ لأنهما قد يوجدان بعد /17/ حال الطاعة والمعصية (¬1) .
صفحة ٢٨