3 (4) التنمية الشاملة في مواجهة التخلف الحضاري
والتخلف الحضاري قضية أساسية، بل إن كل القضايا الأخرى إنما هي تعبير عن أوضاع التخلف؛ مثل سوء توزيع الثروة، وقهر الحريات. والتنمية هنا لا تعني الاقتصاد وزيادة الإنتاج والدخول فحسب، في مقابل قلة الموارد أو سوء استخدامها وقلة الإنتاج، وضعف الدخل القومي، ونقص الخدمات، بل تعني التنمية الشاملة التي تتعرض لقضايا التعليم والصحة والخدمات العامة، والإسلام قادر على مواجهة مظاهر التخلف والمساهمة في تنمية المجتمع على النحو الآتي: (أ)
زراعة الأرض: فالأرض في القرآن هي الأرض الخضراء التي ينزل عليها الماء فتهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج، وليست الأرض الصفراء الصحراء القاحلة مثل أراضينا الآن. فالسكن لا يكون إلا حيث الماء والزرع.
4
ومن استصلح أرضا فهي له، فالشيء قيمته فيما يبذل فيه الإنسان من جهد وعمل . والأرض لمن يفلحها في عرف الفقهاء لأن الملكية بمفردها ليست وظيفة أو مهنة دون عمل. والمزارعة والمؤاجرة تحتم الاشتراك في المحصول، أي في نتاج الأرض، فليس الفلاح مجرد أجير زراعي، بل هو مشارك في الإنتاج. (ب)
الصناعة: وتقوم الصناعة على استثمار المواد الأولية من باطن الأرض من خلال العمل وبالجهد الإنساني. وقيمة الإنتاج بمقدار الجهد المبذول دون أن يكون هناك «فائض قيمة» لصاحب رأس المال. وليست الصناعة فقط هي الصناعات الخفيفة مثل الصناعات الزراعية والملابس، بل هي الصناعات الثقيلة التي تقوم على الحديد الذي فيه بأس شديد ومنافع للناس. (ج)
الخدمات: لكل إنسان حق التعليم، وحق الرعاية الصحية، وحق السكن، وحق العمل، فالعلم فريضة، ورعاية الجسد واجب، والإيواء حق طبيعي، والعمل وسيلة الإنتاج. وقد كانت الحضارة الإسلامية نموذجا للعمران، من حيث بناء المدارس والمساكن والمصانع «والبيمارستانات» (المستشفيات). (د)
البيروقراطية والتسلطية وتشخيص المؤسسات كلها ظواهر للتخلف من حيث الإدارة. فالبيروقراطية قضاء على زمام المبادرة، وأخذ القرار، ونزع المسئولية من مواطن الإنتاج. والتسلطية تحكم وادعاء ملك. وتشخص المؤسسات هو تصور الإنسان بدلا من الغاية. والمجتمع الإسلامي يقوم على قضية يلتزم بها الجميع، ويكون مسئولا عنها مع إنكار الذات والسعي وراء تحقيق الهدف. (5) إثبات الهوية ضد الاغتراب
وقضية الهوية ما زالت بالنسبة لنا إحدى قضايانا الرئيسية ضد التغريب، نتفاوت فيها من منطقة إلى منطقة؛ تبعا لشدة الاستعمار وتغلغله في النفوس وما تبقى منه في العقول. برزت قضية الأصالة في مواجهة التحديث والاغتراب المرتبط به بحيث وضعت الأنا ذاتها في مواجهة الآخر. وتتفاوت المجتمعات الإسلامية فيما بينها في حدة المشكلة. فالمجتمعات التي داهمها الاستعمار كانت إحدى وسائل المقاومة فيها إثبات الهوية في مقابل التغاير، والأنا في مواجهة الآخر. ولكن بعد الاستقلال الوطني عاد المستعمر من خلال الثقافة وانتشر التغريب. استقلت البلاد ولكن احتلت الأذهان. وقد ولد الفعل - وهو التوجه نحو الآخر - رد فعل هو الرجوع إلى الأنا، كما هو الحال في الثورة الإسلامية في إيران، والحركة الإسلامية المعاصرة في شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي . وقعنا في ازدواجية الثقافة وتخاصمت ثقافتان يكفر كل منهما الآخر. يرى كل منهما بقاءه وحياته في فناء الآخر وموته.
ويستطيع الفكر الإسلامي أن يعطي نموذجا دفاعا عن الهوية ضد الاغتراب على النحو الآتي: (أ)
صفحة غير معروفة