Le Mirage du présent au passé . كما تحدث هوسرل عن الحركة الارتدادية التقدمية أو الحركة الخلفية الأمامية للموضوع، وبين ذلك في أزمة العلوم الأوروبية ونشأة الهندسة و«الفلسفة الأولى». وقد ازدهرت الفلسفة أيضا عند الوجوديين بتحليلهم للتأريخ
Historicité
أي الوعي بالتاريخ أو التاريخ كبعد للوجود الإنساني كما هو الحال عند هيدجر وميرلو بونتي وسارتر في «نقد العقل الجدلي». وكان الوعي بالتاريخ قد تحول إلى فلسفة كاملة عند دلتاي في «فلسفة تصورات العالم». فالفلسفة روح العصر الذي يظهر في الوعي التاريخي.
وفي تراثنا القديم كان يمكن للفلسفة أن تزدهر من التفكير في تاريخ الفرق دون تكفير بعضها للبعض الآخر ، وتكفير الفرقة الناجية - فرفة أهل السنة والحديث - كل الفرق الأخرى. فتاريخ الأمة هو تاريخ فكرها دون إدانة وحكم بالمروق. وكان للفلسفة أن تحيا بالتفكير في تاريخ الأمم والحضارات وتاريخ الفرق غير الإسلامية هذا الجزء المجهول في علم أصول الدين الذي ذكره علماء الكلام وهم بصدد الحديث عن صفة «الواحد» أو بصدد الحديث عن الحضارات البشرية السابقة على الإسلام مثل حضارات الهند وفارس والروم. كما كان يمكن للفلسفة أن تزدهر لو ظل الاجتهاد ولم يتوقف المسلمون عنه. وكان يمكن لها أن تزدهر أيضا لو استأنفت تفكير ابن خلدون في علم التاريخ، في أسباب انهيار الأمم والشعوب، وتزيد عليه أسباب نهضة الأمم وشروط البعث الحضاري الجديد. وقد بدأت الإرهاصات منذ القرن الماضي في الفكر الإصلاحي والعلماني والسياسي كل بطريقته الخاصة دون أن تنشأ فلسفة أو أن يؤسس اتجاه أو يقام مذهب. وهذا لا يعني أن الفلسفة قد ماتت بل يعني أن ظروف حياتها ما زالت تتهيأ وأنها على مشارف ميلاد جديد.
7
عاشرا: خاتمة
لما كانت الفلسفة ليست معطى مسبقا أو هبة طبيعية للشعوب وعبقرية تتميز بها أمة عن غيرها بل كانت جزءا من حركة التاريخ وحياة الأمم، تموت بموتها وتحيا بحياتها، ارتبطت بالوعي الفردي والاجتماعي والتاريخي في كل أمة. فالوعي الفردي وإن كان يعبر أيضا عن حركة التاريخ إلا أن له استقلاله وحريته وقدرته على تجاوز المرحلة وإحداث تقدم أسرع عن طريق الزعامة والقيادة ودفع التقدم إلى خطوات أكبر وأسرع. والوعي الجماعي المنظم قادر على إحداث تغيرات كيفية من خلال ثورة الجماهير وحركتها والعمل الجماعي الهادف الواعي بقوانين التغير الاجتماعي. والوعي بحركة التاريخ والموقف الحضاري للأمة قادر على تحديد مهمة الفلسفة، وكيف تحيا من خلال هذا الوعي التاريخي بالموقف الحضاري. فبالتحليل الموضوعي لحركة الوعي في التاريخ تحيا الفلسفة.
وهو بالنسبة لها الآن ذو ثلاث شعب: (1)
الموقف من التراث القديم؛ وذلك لأن التراث ما زال هو المصدر الأول لفكرنا الفلسفي نجتره أو نرفضه أو نعيد بناءه طبقا لحاجات العصر. فكل تعامل مع التراث لأخذ موقف منه هو فلسفة كما كان الحال في عصر النهضة الأوروبي قبل أن يتحرر الوعي الأوروبي من أسر القديم ويتوجه نحو الجديد، ويسقط الأغلفة النظرية القديمة، ويبني مذاهب نظرية غيرها هي التي نأخذها الآن على أنها نماذج للفلسفة. (2)
الموقف من التراث الغربي؛ وذلك لأن الغرب منذ عدة أجيال ما زال يمثل بالنسبة لنا مصدرا من مصادر المعرفة بالنقل والاستيعاب أو بالرفض والإنكار أو بالتمثل والنقد الحضاري من أجل تحجيمه ورده إلى حدوده الطبيعية حتى يمكن إفساح المجال للإبداع الحضاري للشعوب غير الأوروبية، فكل تعامل مع الغرب هو فلسفة بهذا المعنى. كان الحال كذلك في عصر النهضة عندما بدأ التعامل مع أرسطو عند الشراح المسلمين، ونقد الرشدية اللاتينية. وكان الحال كذلك أيضا بتعامل الحضارة الإسلامية مع الفلسفات الغازية خاصة اليونانية. (3)
صفحة غير معروفة